مع اقتراب إنضاج بعض الملفات الساخنة في المنطقة وعلى رأسها الملف النووي الإيراني واحتمال توقيع الاتفاق النهائي خلال الأسابيع القادمة بين إيران من جهة ومجموعة الـ 5 +1 ، تحتدم المعارك في كل من سورية والعراق ويستمر العدوان السعودي الظالم على الشعب اليمني ، وتتداخل المواقف وتظهر التحالفات ما بين آل سعود وحكومة الكيان الصهيوني إلى العلن في محاولة يائسة للتشويش على خطوات المفاوضات الجارية بسرية مطلقة ، سيما بعد فضح عمليات التجسس التي قامت بها استخبارات نتنياهو في مقر الوفد الإيراني ، حيث يُعد انجاز هذا الاتفاق نجاح كبير للاستراتيجية الهادئة التي تعتمدها إيران ، وضربة سياسية كبيرة للقوى المعادية لمحور المقاومة ، رغم العواصف التي افتعلتها تلك الجهات المتضررة من نتيجة إنهاء هذا الملف لصالح الحكومة الإيرانية والشعب الإيراني وفك الحصار الظالم الذي دام لعقود ماضية ، وهذا ما يُقلق عملاء أمريكا الأساسيين في المنطقة وعلى رأسهم السعودية وإسرائيل .

  بعد فشل التحالف السعودي القطري التركي من تحقيق نتائج إستراتيجية في معركة الشمال السوري بالحصول على مناطق عازلة و حظر طيران وغيرها من أحلام اليقظة الأخرى ، تحرك هذا التحالف القذر لتفعيل الدور الأردني وتشغيل غرفة العمليات السرية ( موك ) المشتركة بين إسرائيل و السعودية والأردن ، وذلك من أجل حشد طاقات جديدة وقوات إضافية لضرب مواقع الجيش العربي السوري في منطقة الجنوب وتوسيع حلقة الضغط على دمشق ، وفعلاً تمكنت العصابات الإرهابية المدربة أمريكياً في الأردن من الاستيلاء على مقر اللواء 52 وهو بمساحة لا تتجاوز / 6 / كم2 ، والهجوم اكثر من مرة على مطار الثعلة بهدف محاصرة السويداء وتغيير الواقع السياسي فيها ، لكن ذلك باء بالفشل وتم سحق أعداد كبيرة من الإرهابيين جعلت مستخدميهم يُعيدوا حساباتهم وينكفؤوا عن قرار  مهاجمة المطار والمناطق المجاورة له نتيجة الخسائر التي لحقت بالإرهابيين .

  إن الواقع العام في المنطقة يخضع للعديد من التجاذبات المتباينة ، والجميع يعمل وفق مبدأ الفعل ورد الفعل ، حتى باتت المنطقة برمتها ككرة النار المتدحرجة التي يُمكن أن تنفجر بأي لحظة طيش غير مدروسة يُمكن أن تقدم عليها إسرائيل أو شريكتها في تخريب المنطقة مملكة الرمال الوهابية ، سيما وأن التسويات الكبرى التي تم الحديث عنها بين الدول الكبرى لم تنضج حول بقية الملفات وخاصة حول الأزمة السورية ، نتيجة إزدواجية المعايير التي تعتمدها الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة وتحديداً في سورية ، فمن جهة تتمسك الإدارة الأمريكية بدعم التنظيمات الإرهابية على الأراضي السورية وتقوم بإعدادها وفق خطة مدروسة لتدمير المنطقة بالكامل ، وقد ذكر " روبرت فيسك " الصحفي البريطاني في مقال له في " الانديبندنت " : " إن أعداد الميليشيات الإسلامية المتطرفة مثل جبهة النصرة وداعش تفوق نظيرتها من القوات النظامية ..ويتم إمدادها بتكنولوجيا أمريكية متقدمة " ، كما كشفت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية : بأن الـ ( سي آي إي ) نظمت جيشاً من العملاء يضم أكثر من عشرة آلاف مقاتل باسم " المعارضة السورية المعتدلة " تصل تكلفة المقاتل الواحد إلى /100 / ألف دولار امريكي وتم حشدهم في المنطقة الجنوبية من سورية بشكل خاص ...مؤكدةً بأن مليار دولار أمريكي تصل سنوياً إلى مقاتلي المنطقة الجنوبية من سورية وهذا جزء من تعاون أمريكي سعودي قطري تركي "، في نفس الوقت الذي يتحدث فيه " آدم شيف " كبير النواب الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي عن قلق ممثلي الحزبين الأساسيين في الكونغرس ( الديموقراطيين والجمهوريين ) حيال الإستراتيجية الأمريكية في سورية الهادفة إلى ضرب النظام الشرعي في سورية ويقول " شيف " : " للأسف أعتقد أن داعش وجبهة النصرة والفصائل الإسلامية المتطرفة الأخرى في أفضل موقع للإستثمار في الفوضى التي يُمكن ان تترافق مع انحدار سريع للنظام " !!

  من المستغرب الحديث عن جهود دبلوماسية لعقد مؤتمر جنيف3 ، في ظل هذا التناقض الذي يُحيط بالمساعي الأمريكية للاستثمار في التنظيمات الإرهابية من خلف المجتمع الدولي وفي مخالفة صريحة وعلنية للقرارات الدولية ذات الصلة ، بالتواقت مع تغريدات صهيونية عن إمكانية التدخل لحماية مناطق محددة من سورية والعزف على وتر التقسيم الذي تتبناه شخصيات وقوى سياسية عميلة في المنطقة ، لخلق حزام امني ضامن على الحدود مع فلسطين المحتلة يمتد من جنوب سورية إلى لبنان ، كرد فعل على إنجازات الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية في تحرير أغلب مناطق القلمون وريفها بمساحة تزيد عن 350 كم2.

  في النتيجة لا نجد في الأفق مؤشراً جدياً لنوايا حسنة لدى الدول الكبرى صاحبة القرار في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية وإنهاء الحرب المفروضة عليها ، لذلك إن قرار عملية إدخال تعديلات واسعة على آلية العمل العسكري ورفع الجاهزية العامة في جميع المناطق وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية قد اتخذ بشكله المتكامل ودخلت خطوات السير فيه حيز التنفيذ تحضيراً لمعركة الحسم والقضاء على كل مصادر الإرهاب وأنواعه على الساحة السورية ، وإن معارك جديدة ومختلفة كلياً يتم التحضير لها ستُفاجئ العالم بأسره بنتائجها الباهرة في كافة المناطق السورية ، عندها سيتم فرض الحل السياسي الذي يُرضي الشعب السوري الذي دافع عن سورية وقدم التضحيات الغالية للحفاظ على وحدة واستقلال سورية الوطن العزيز على قلب كل سوري شريف .