عشية بدء مفاوضات «جنيف 2»، قبل عامين، انطلق قطار الهدنات والتسويات من معضمية الشام في ريف دمشق. وفي حين استقرّ وضع باقي المناطق نسبياً، بقيت المحطة الأولى هشّة، في ظلّ خروقات متعدّدة ومصير معلّق لداريا المجاورة حيث يتواصل التصعيد العسكري، أكثر من أيّ وقتٍ مضى.
اللافت أنَّ ملف كلّ من داريا والمعضمية، عاد إلى الواجهة بعد عامين، مع ظرف سياسي مشابه عشية انطلاق «جنيف 3». لكنّ الاختلاف يكمن في التصعيد العسكري من خلال نجاح الجيش السوري، في الأيام القليلة الماضية، في فصل المعضمية عن داريا عسكرياً، وبالتالي تضييق الخناق على المدينة التي تشكّل المدخل الجنوبي الغربي للعاصمة، وتتاخم بساتينها طريق المطار الدولي، بالإضافة إلى قربها من المطار العسكري. على أنَّ الأكثر أهميّة، بحسب مصدر محلي في المنطقة، هو فصل داريا عن جارتها التي يبقى وضعها أفضل كونها تخضع لاتّفاق التسوية.
وبرغم الخروقات المتكرّرة التي تجعل الهدنة هشّة للغاية، سيكون مصير داريا أكثر صعوبة مع تشديد الحصار عليها. كما أنَّ مصير مقاتلي المعضمية، سيكون على المحكّ لدرجة أنَّ معلومات قد تسرّبت بشأن احتمال طرح مبادرة مشابهة لما حصل في حيّ الوعر الحمصي مؤخراً من تسوية لوضع البعض، وخروج من لا يرغب بالهدنة، مقابل فتح المعابر وعودة الحياة المدنيّة إلى المنطقة التي يقطن فيها حوالي عشرين ألف شخص، خصوصاً أنَّه لم يعد أمام المسلّحين في المنطقتين أيّ منفذ أو خيار للعمل العسكري، لا سيما أنَّ محاولات فتح معارك عند مثلث درعا ـ القنيطرة ـ ريف دمشق الغربي، قد باءت بالفشل، إلى جانب أنَّ العلاقة بين مسلّحي داريا وجيرانهم في مخيم خان الشيح، لم تكن يوماً في أفضل أحوالها.
اللافت أيضاً، أنَّ مثل هذا الطرح كان وارداً منذ عامين، وسبق أن تواصل عدد من شخصيّات داريا والمعضمية مع جهات محليّة ودوليّة لتفعيل التسوية والمفاوضات من دون أن يحدث أيّ اختراق جدي في هذا الملف. ذلك أنَّ مقاتلي داريا رفضوا الكثير من العروض، متحدّثين في المقابل، عن معارك يخوضونها لاستعادة كتل سكنية أو فتح طريق باتجاه المتحلق الجنوبي أو طريق درعا ـ دمشق، في مسعى لتحسين أوراقهم التفاوضية، وكذلك من أجل تأمين مواد غذائية من المعضمية. غير أنَّ المشهد الميداني قد تغيّر بعد المعارك الأخيرة، التي كان يصل صدى تفجير الأنفاق فيها إلى قلب العاصمة دمشق من شدة المواجهات والعمليّات العسكريّة.