الإثنين 2015-09-07 06:25:23 المرصد
المصالحات الوطنية في سورية مابين الاتفاق والإخفاق

عندما يشتد لهيب الأزمات في البلاد وتمتد لتشمل كافة مفاصل الحياة، فإنها تصبح بعيدة عن السيطرة، وخصوصاً في الحروب والصراعات الداخلية، كما أنها تترك آثاراً سيئة وواقع مرير، فهناك دول مرت وتمر بمراحل انتقالية ارتُكبت فيها أخطاء كثيرة وكبيرة أدت إلى حصول شرخ كبير بين أفراد المجتمع وحصول حالة من عدم الاستقرار الأمني، وإن استمرار الصراع يؤدي إلى استنزاف طاقات الدولة مما يثقل كاهلها ويؤدي إلى إضعافها فما شيدته وحققته من إنجازات طوال سنين يمكن أن يدمر خلال شهور، وتكمن صعوبة تلك الحروب إذا كانت تجري ضمن الدولة الواحدة في القرى والمدن والأزقة، لذلك فإن الأمر يستدعي إيجاد وسائل مستعجلة وناجعة للحيلولة دون استمرار الصراع أو تفاقمه أو للتخفيف من حدته، لذلك لجأت بعض الدول إلى عقد المصالحات الوطنية بين أبناء البلد الواحد سواء ما بعد الصراعات أو خلالها بعد أن تم وضع برامج عمل واضحة ومحددة مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية التي يتمتع به كل بلد على حدة، حيث نجح بعضها في كبح جماح الصراعات وساد الاستقرار والهدوء والأمان فيها ومنها لم تنجح ومنها مازال في طور المصالحات ومن تلك الدول والمغرب وجنوب افريقيا وإيرلندا الشمالية والجزائر والعراق ولبنان واليمن وتونس  وليبيا العراق وسورية وغيرها.....

فالمصالحة الوطنية مصطلح يحمل في طياته مدلولات التسامح والعفو والعدالة والتعايش وهذا يدلل على أن منشؤه يعود إلى أصول دينية، وقد أجمع الكثير على تعريفها بأنها عملية تنشأ بين الأطراف السياسية وأفراد المجتمع بهدف الوصول إلى توافق وطني يقوم على تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة وهي تتسم بالتسامح والعفو وتمثيل مصالح كافة أطياف المجتمع، واحترام حقوق الإنسان، وطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة تسودها علاقات جدية وحقيقية قائمة على المحبة، من خلال الحوار البناء ووضع برنامج واضح المعالم والقيام بأعمال ومبادرات تبعث على تعزيز الثقة بين الأطراف المتنازعة والتي ستكون المرتكز التي تبنى عليها تلك المصالحات وكل ذلك تحت ظل وسيادة القانون و إعلاء مصلحة الوطن ومن دون الإخلال بالثوابت الوطنية أو العودة للثأر والانتقام والتخوين.

 والأزمة السورية أزمة معقدة فالحرب فيها شملت كل بقعة وفي كل المجالات ومن عدة جبهات داخلية وإقليمية وخارجية وفردية وجماعية و........، حيث دخلت عامها الخامس وما زالت الدولة تستنزف الكثير من مواردها فكل يوم خسائر في الممتلكات والأرواح، ولذلك فقد أطلقت الدولة السورية منذ بداية الأزمة عملية المصالحات الوطنية بشكل غير مباشر ومهدت لها إلى أن أحدثت في عام 2012 وزارة خاصة بها تسمى وزارة الدولة لشؤون المصالحة الوطنية وذلك من أجل حقن الدماء وإحلال نوع من الاستقرار والتهدئة لتجنب أعمال القتل والتخريب، ويقع على عاتق تلك الوزارة مسؤوليات كثيرة وشاقة في ظل ظروف صعبة واستثنائية يمر بها البلد فهناك ملفات كثير وشائكة كملف المخطوفين والمفقودين والموقوفين على خلفية الأحداث........، فمنذ بدايات الأزمة التقت القيادات السياسية والاجتماعية مع كثير من الفعاليات والوجهاء والمواطنين للوقوف على مطالبهم وإيجاد النقاط المشتركة ولاحقاً تم إصدار العديد من مراسيم العفو والقيام بإجراءات إصلاحية وكله من أجل تعزيز وإنجاح تلك المصالحات، وإن ما يميز المصالحات الوطنية في سورية أنها تجري في ظل استمرار الجيش بمواجهة التنظيمات الإرهابية المدعومة من قبل جهات إقليمية وعربية ودولية والتي تعيث فساداً وخراباً في كافة أنحاء الدولة، ويترتب على ذلك صعوبات وعوائق جمة لتحقيق تلك المصالحات.

لقد انتشرت المصالحات الوطنية في عدد من المناطق والقرى السورية حيث نجحت في بعضها وشهدت هدوءاً واستقراراً بعد أن قام المسلحون بتسليم أنفسهم وأسلحتهم ليتم تسوية أوضاعهم بالإضافة لعودة الأهالي إلى قراهم ومنازلهم وأعمالهم وقيام الدولة بإعادة تأهيلها مثل المصالحات التي حصلت في حمص القديمة حيث عاد الأهالي إليها بعد تهجيرهم من قبل المجموعات المسلحة وخروج ما يقارب الألفي مسلح منها وهناك مصالحات حصلت في حي برزة وبلدة قدسيا والمعضمية وببيلا ويلدا وبيت سحم ........ الخ لكن تأرجحت ما بين الاستقرار والفوضى، وهناك مصالحات أخفقت ولم يكتب لها النجاح حيث اخُترقت لتعود إلى رحى المعارك من جديد مثل حي القدم والعسالي ومخيم اليرموك وجوبر و..... الخ , وكل ذلك كان يتم برعاية وإشراف الدولة وبمساع حميدة من الوجهاء والمعنيين ولجان المصالحة الوطنية واللجان الشعبية، ومن أهم أسباب إخفاق بعض المصالحات يعود إلى أن المجموعات الإرهابية عملت وتعمل على إفشالها لأنه يهدم مشروعها والهدف الذي وجدت من أجله، من خلال تصعيدها لأعمال القتل والاغتيالات لكل من له صلة في عقد المصالحات، بالإضافة إلى التحاق الكثير من المواطنين بتلك التنظيمات مقابل الحصول على مبالغ نقدية عالية في ظل الظروف المعيشية الصعبة ........ الخ.

إن المصالحات الوطنية هي خطوة نحو التهدئة ونزع فتيل الصراعات التي تؤججها الجماعات التكفيرية الإرهابية والدول المساندة لها، ويجب أن تُعطى الأهمية والأولوية والرعاية الكبيرة من قبل الدولة وعلى كافة المستويات وخلق الأجواء المناسبة والتسهيلات اللازمة لعقدها وبزخم كبير وتعميمها على كافة المناطق والقرى السورية التي تشهد صراعات وإعطاؤها أهمية دائمة في وسائل الإعلام وتسليط الضوء عليها والعمل الدؤوب والجاد لإنجاحها والحفاظ على ما تم إنجازه  والحرص على أن تكون تلك المصالحات ناتجة عن قناعات شخصية حتى لا تكون مزيفة وهشة سريعة الانهيار ولا بد أن يساهم الجميع في إرساء هذه العلاقات والحفاظ على الأرض والدماء السورية، وكل هذا يؤدي إلى حصول نوع من الاستقرار والثقة بالآخر وبالتالي يمهد لإعادة إنتاج العلاقات بين مختلف أطياف الشعب السوري على أسس صحيحة وسليمة أساسها المواطنة لا الطائفية وهذا يخفف العبء على الدولة في مواجهة العدو الأساسي وبالتالي يتحقق الانسجام والتكامل بين أبناء البلد الواحد حتى تعود سورية كما كانت بلد الأمن والأمان.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024