الأحد 2015-05-31 17:26:33 تحليل سياسي
الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي والثورات العربية

مازن جبور - خاص سيريانديز سياسي

عملت النخب الإسرائيلية في معهد السياسة والإستراتيجية الإسرائيلي على عقد مؤتمر هرتسيليا في شهر شباط من كل عام، وهو مؤتمر استراتيجي - أكاديمي يعقد سنوياً بتنظيم من مركز هرتسيليا متعدد المجالات، بالتعاون مع العديد من مراكز البحوث والدراسات الإسرائيلية والدولية، وهو يبحث في القضايا الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية التي تخص الكيان الصهيوني، وقد عقد المؤتمر الأول في مدينة هرتسيليا الساحلية في عام 2000، ومنه أخذ الاسم واشتهر به، وكان تحت شعار عام هو "ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي"، وبقي هذا الشعار دائماً لكل المؤتمرات التي عقدت بعد ذلك.

يتناول مؤتمر هرتسيليا عناوين بحثٍ كثيرة ومتنوعة، تصب جميعها في الرؤى الإستراتيجية للدولة العبرية، وتتناول التحديات والصعاب التي يواجهها الكيان الصهيوني، ويقترح الحلول والمشاريع لمختلف أشكال التحديات، كما يتناول جوانب القوة والتميز لدى المجتمع الإسرائيلي، ولا يوجد في مؤتمر هرتسيليا مواضيع محرمة أو عناوين ممنوعة، فكل الأفكار تطرح وتناقش، ويتم تبادل الرأي حولها.

وقد عقد حتى الآن خمسة عشر مؤتمراً، ومازال انعقاده يتواصل بانتظام، ويتطور تنظيمه وتزداد أهميته، ويعد هذا المؤتمر من أخطر المؤتمرات التي تعقد في المنطقة، لاعتبارين أساسيين هما:

 الأول: طبيعة المواضيع التي يتم اختيارها، وكيفية معالجتها وطرحها في ضوء المعلومات الغزيرة التي يتم توفيرها، والأفكار التي يتم طرحها.

الثاني: هو نوعية الحضور والمشاركين، حيث يشارك في المؤتمر عددٌ كبير من النخب الإسرائيلية والدولية، منها رموز عسكرية واستخباراتي، وأكاديمية واقتصادية وسياسية وتكنوقراطية، من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وغيرها..

 يوصف مؤتمر هرتسيليا بأنه مؤتمر التحديات الصهيونية المتجددة، وأنه يساهم في استشراف وتحديد مستقبل إسرائيل والمنطقة، وقد أصبح أهم وأشهر مؤتمر سياسي يعقد في الكيان الصهيوني، وبات الكثير من المراقبين ينتظرون انعقاده سنوياً، ويستقون منه المعلومات، ويفهمون منه اتجاهات السياسة في المنطقة، ويعرفون السياسة الإسرائيلية في المرحلة القادمة.

 

المبادرون لعقد هذا المؤتمر هم مجموعة كبيرة من الشخصيات البارزة في النخبة الأمنية والأكاديمية في الكيان الصهيوني، ولكنها محسوبة في أغلبها على المعسكر اليميني المتطرف، ويرأس المؤتمر عوزي آراد المستشار السياسي الأسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو الذي يمثل الواجهة السياسية للمؤتمر، بينما يمثل اللواء الاحتياطي غيئورا آيلاند رئيس مجلس الأمن القومي الواجهة العسكرية والأمنية للمؤتمر، هذه الثنائية السياسية العسكرية دائمة ولا تنفصل، و بهما يظهر للمؤتمر وجهان متكاملان، الوجه السياسي والوجه العسكري والأمني.

فإذا أردنا أن نعرف حقيقة السياسات التي ستنتهجها الحكومات الإسرائيلية على مدى السنوات القريبة القادمة، فإننا نستطيع ذلك إلى درجة كبيرة نوعاً ما، من خلال متابعة مقررات مؤتمرات هرتسيليا السنوية، ونستطيع أن نبرهن على ذلك، من خلال مراجعتنا لكافة المؤتمرات السابقة التي وضعت للحكومة الإسرائيلية توصياتٍ مستقبلية إستراتيجية.

هناك ثلاث قضايا رئيسية يركز عليها المؤتمر دائما وهي:

- مواجهة أزمة الجيش والأمن الإسرائيلي.

- تعزيز سيطرة إسرائيل المركزية على كافة المنظمات اليهودية والصهيونية في العالم.

- كما ينشغل المؤتمر دائماً في كيفية التخلص من الخطر الديموغرافي العربي على إسرائيل والذي إذا ما ظل وفقاً للمقاييس الحالية للنمو، فإن عدد السكان الفلسطينيين في إسرائيل سيفوق عدد اليهود في عام 2025، وهذا خطر يجب منعه لأنه سيؤثر بالضرورة على يهودية دولة إسرائيل، التي يسعى الإسرائيليون لأن تكون نقية وخالية من الشوائب، ولتلافي هذا الخطر، فإن الحل يتركز من وجهة نظر المؤتمر في اتجاهين، ترحيل جزء من الفلسطينيين خارج أرض إسرائيل، وفي مبادلة المناطق ذات الكثافة السكانية العربية العالية في إسرائيل بمناطق تابعة للسلطة الفلسطينية.

في هذا الاتجاه يركز المؤتمر المنعقد في بلدة هرتسيليا ما بين 31-1 و3-2-2010 على إبراز ما تعتبره تل أبيب "مخاطر" تهدد إسرائيل، خاصة من جانب جيرانها، مطالبة العالم بمزيد من الدعم باعتبارها "ضحية" وسط محيط عربي وإسلامي يعد العدة للقضاء عليها مع أول فرصة سانحة.

لذلك "إسرائيل تحت الحصار".. عبارة اختارت إسرائيل أن تعنون بها مؤتمر هرتسيليا العاشر فيما بدا أنه محاولة مباشرة منها لمواجهة حملات "غزة تحت الحصار"، التي تنظمها منظمات دولية غير حكومية نجحت في إيصال جزء من معاناة قطاع غزة خلال العام الذي تلا الحرب الإسرائيلية عليه.

خصوصا مع سقوط نظرية الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي عبر الجوار العربي من خلال الأعمدة الثلاث أثيوبيا جنوبا ونظام الشاه في إيران شرقا وتركيا شمالا. كان سبق وقد انهار احد الأعمدة بسقوط نظام الشاه في إيران, ليحدث خلل في العمود الآخر بعد الخلافات التركية الإسرائيلية الأخيرة بعد حادثة الاعتداء على السفينة التركية قبالة سواحل قطاع غزة أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009, والتعديل الذي أجرته أنقرة على وثيقة الأمن القومي التركي الذي عمق الخلاف. لذلك حدد رئيس المؤتمر الجنرال احتياط داني روتشيلد أهداف المؤتمر العاشر في "بحث التهديدات الداخلية والخارجية التي تحيط بإسرائيل عبر تحليل الوضع في المستقبل، وتقييم حال إسرائيل في السنوات الخمس القادمة، وفي بعض الملفات في العشرين عاما القادمة".

وبحسب ما صرح به الجنرال روتشيلد لإذاعة جيش الاحتلال فإن أبرز هذه التهديدات الخارجية هي "التي تحيط بنا من الشمال متمثلة في حزب الله (اللبناني)، وفي الجنوب حركة (المقاومة الإسلامية) حماس، وفي الشرق متمثلة بإيران", لذلك كان تغيير الخارطة الديموغرافية والحضارية للمنطقة مطلب عاجل, بإنشاء إمارة إسلامية, تخلق توازنا مع إيران وحزب الله الشيعة, وتزيح عن كاهل إسرائيل التفكير بخطرهما والسعي للمواجهة.

 

أما بالنسبة لتهديدات الداخل فهي "أن دولة إسرائيل في القرن الـ21 لم تحسم بعد جوهرها (اليهودي) أو طبيعتها وقيمها، وما زالت تعيش في حالة قلق مستمرة على وجودها، كما أنها تواجه قلقا داخليا بسبب ضغوط الحكومة الائتلافية والضرائب ومشكلة الخدمة العسكرية".

جاء مؤتمر هرتسيليا الثالث عشر، قد أوصى الحكومة الإسرائيلية بضرورة تكريس الصراع السني- الشيعي في المنطقة، لإعادة تشكيلها مرة أخرى وتقسيمها إلى دويلات على أساس طائفي، كما أوصى الحكومة الإسرائيلية بضرورة لعب دور في تشكيل خريطة الشرق الأوسط الجديد.

 كما طرح في مؤتمر هرتسيليا هذا العام اعتماد وسائل جديدة في نهج الدفاع ونقلها الى مجال استراتيجي جديد بالتحالف مع دول إقليمية.

 التوصية الأولى للوثيقة الأمنية المشار إليها، هي أن على “إسرائيل” خلق مجالات  تحالف استراتيجي مع ثلاث جهات: مع دول شرق أفريقيا (أوغندا، أثيوبيا، جنوب السودان، كينيا) ودول شرق المتوسط (اليونان، قبرص، دول البلقان)، كذلك مع الدول المحيطة بها التي تربطها بها علاقات رسمية (مصر والأردن وقطر) وأن تعزز علاقتها الإقليمية الحالية بأكبر قدر ممكن، والمجال الاستراتيجي الثاني في منطقة الخليج من خلال إقامة علاقات رسمية أو غير رسمية مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية من مدخل مبادرة السلام العربية واعتبارها ركيزة أساسية في توجه “إسرائيل” نحو الدول العربية لتشكيل مجال استراتيجي مشترك.

 وحل ثالثاً إنشاء آلية لصناعة القرار داخل الكيان الصهيوني تضمن التكيف مع المتغيرات السريعة في المنطقة.

 رابعاً كان التأكيد على التحالف مع الولايات المتحدة.

ان الأخذ بهذه التوصيات من قبل القيادة السياسية الإسرائيلية الحالية أو القادمة, سيكون بمثابة مرحلة جديدة ستشهد تمدد المجال الاستراتيجي للكيان الصهيوني ليصل إلى منطقة الخليج عن طريق التفاهمات السياسية والمصالح الأمنية المشتركة لا الحرب، وهذا يتوقف على مدى استجابة دول مثل السعودية.

بين مؤتمر هرتسيليا ومؤتمر القمة العربية, بين مقررات وتوصيات الاثنين فرق شاسع. الأول يكرس هوية دينية, وينحت لها في الصخر عنوانا قوميا, والثاني يدمر كل لبنة بنيت في طريق القومية العربية, وينحت في الصخر خلافاته الضيقة منفذا توصيات مؤتمر هرتسيليا, ومكرسا لمزيد من التقسيم وتهديم حضارته.

 الويل لأمة اقرأ التي لا تقرأ.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024