الأحد 2015-05-31 17:46:48 تحليل سياسي
احتلال أريحا وتحرير التكرار

إن مقدمة هذا المقال جزء لا يتجزأ منه. الإعلام الصهيونفطي يحاول جاهداً إبراز أوجه الشبه بين النبي ومسيلمة حد التطابق، وذلك حين يطابق بين السيد نصرالله والبغدادي، وطبعاً التشبيه هنا ليس لأن السيد نصرالله يوازي حضرة خير الخلق حاشا، أو أن مسيلمة حاشاه يوازي البغدادي، ولكن الفكرة أن هناك ممن يعتقدون أنهم المسلمون يؤمنون بأن البغدادي يوازي النبي عدلاً وقسطاً وغيرةً على الدين وحميةً على أتباعه، والأتباع هنا هم الدواعش ومن لف لفهم حصراً، وكأن الفردوس الأعلى ما صُنع إلا لأراذل الخلق، ويظنون يقيناً أن البغدادي هو القرشي الأول خليفة الهاشمي الأول، وليس من الهزل أن تجد أمةً تدعي أنها أمة محمد، تسمح لبعض من يعتاشون على مخلفات أرباب النفط، بأن يتلاعبوا بعقولهم ومصائرهم، وإذا افترضنا افتقارهم للعقول أصلاً، يفجعنا المنطق بقواعده الشرطية، حيث يكون الاستنتاج الحتمي هو اندثارهم كمصير.

لم أكن أعرف أن للتكرار طبائع جبرية، بل كنت أرى في التكرار إهانة للقائل والمستمع، فيما تتكشف الحقائق رويداً رويداً، بأن التكرار أحد الأسلحة الأكثر فتكاً، خصوصاً حين يكون المتلقي أكثر جهلاً، وبالتالي أكثر استعداداً لترسيخ حتى أكثر الأفكار شذوذاً، وعلى رأي أحدهم، فإنه يستطيع مع التكرار إقناعك بأنه أكل قطعتين من الثلج مشويتين على نارٍ هادئة، وكان طعمهما أحلى من قطعة حنظل، ونحن لم نكن ننتبه لسلاح التكرار تعففاً، باعتبار أن ما دفع القليل من الناس للوقوف مع سورياً دولةً وشعباً وقيادةً، إنما فعلوا ذلك واتخذوا موقفهم نتيجة قياسٍ عقلي، استطاع عقله في لحظة معتمةٍ مظلمةٍ ظالمة، أن يُزيل كل تلك الأغطية والزخارف البراقة عن كائنٍ نتن، اسمه ثورة وربيع، فرأى الحقيقة العارية بكل بشاعتها، وبما أنه يمتلك هذه القدرة، فلم يكن لزاماً تكرار المكرر وإعادة المُعاد، ولكن الأحداث تتسارع بشكل يجعل من بعض تلك العقول الناضجة، أقل قدرة على اللحاق بكل تلك الوقائع، فيندفع بردات فعلٍ ينتظرها العدو، ويغذيها ويسعر نارها، ابتداءً بالتخوين وليس انتهاءً باليأس والإحباط.

فمنذ أربع سنواتٍ وزيادة، وهم يكررون على مسامع الناس معزوفات وهن الجيش وترهل الدولة وسقوط النظام، ورغم ألا شئ من ذلك حدث ولن يحدث، إلا أنه أصبح أحد البديهيات بالنسبة لم ينتشي بهذه الأوهام، وحين كان يستعد كل شذاذ الأرض للصلاة في الجامع الأموي، وكنا نقول أن هذه هي الأوهام المجسدة، كان الوضع أخطر مما هو عليه اليوم، وكنا على يقينٍ بأنه لا وجود لتلك الأوهام إلا في خرائب عقولهم ولا زلنا، وكنا على يقينٍ أيضاً، بأنه لا حاجة لأن نكرر أو يُكرر علينا، كلما انتشى الأراذل بصعودهم لدرجةٍ أدنى في المنحدر الوطني والأخلاقي، في حين أنه يكفي رؤية أعضاء ما يُسمى بـ(الإئتلاف) وهم يوزعون الابتسامات على الشاشات احتفالاً باحتلال أريحا، لتتيقن أن هؤلاء الفشلة الفعلة، لا يتبنون أمراً إلا شانوه، فكيف وهو بالأصل شائن، وأن فاقد الشئ لا يعطيه، فهؤلاء المهزومون على الدوام، لا يمكنهم أن يمنحوا نصراً، وهنا المقصود نصرهم والمتمثل بانهيار سوريا وتقسيمها، وما احتلال أريحا إلا حلقة أخرى في ظل حرب مسعورة تسارع الزمن، ولا شك أن أصداء الانتشاءات بالرمادي وتدمر وإدلب وبعض تقدم لميليشيات آل سعود الداعشية في تعز قد وصلت البيت الأبيض، ليقترح البنتاغون تفتيش مصانع الأسلحة في إيران واستجواب علمائها، حتى أن فابيوس قال نفس الكلام تحت وقع النشوة الكاذبة.

إن السياسة السورية سياسة باردة، أو بالأحرى جليدية، وهي لا تتعامل بردات الفعل الآنية أو المتطرفة، ولكن هذه السياسة بحاجة إلى شقٍ آخر بحسب ما اختلفت ظروف سوريا، فالرأي العام بحاجة لبعض هذا الجليد لينساب في الصدور المشتعلة، من خلال سياسة إعلامية مترافقة وموازية لحجم الحرب وحجم ما سيأتي من قسوتها، لأن ما سيأتي سيكون أشد وقعاً، وهذا أيضاً نوعٌ من التكرار، فحين يكون المخطط تقسيم سوريا، فلا بد أن يكون الألم شديداً، كعمل المبضع في الجسد الحي والسوي، وإذا أراد صاحب الجسد ألا يفقد أحد أطرافه أو بعض أعضائه أو كلها، فلا بد من الاحتمال والمقاومة، وأما أسوأ ما يمكن أن يُقال هو فكرة تخوين الجيش وبيع المحافظات، فالمنشقون حين انشقوا وقال الرئيس الأسد دعوهم، فأين هو مصيرهم، ولو افترضنا أن هناك من انشق لكنه بقي في صفوف الجيش، فإن مصيره لن يختلف كثيراً عن أقرانه المعلنين انشقاقهم ولو بعد حين، وإن أكثر خطر قد تواجهه سوريا من تلك (الانتصارات) المزيفة والآنية، لأؤلئك الأوغاد، هو الغيظ الشعبي من رؤية تلك الحثالات منتشية بالخيانة مبتسمة، أما إذا احتج البعض على كونها مزيفة، فليقرأ المفاهيم العسكرية للاحتلال، وأن اكتساب الجغرافيا مع استمرار التهديد بالاندحار منها، هو مجرد نصرٌ مزيف.

كنت قد كتبت مقدمة لموضوع يكرره إعلام النفط بغية ترسيخه كالعادة، ألا وهو المقارنات والمقاربات، وأوجه الشبه بين حزب الله وداعش، وبين السيد نصرالله والمدعو البغدادي، لكنه هالني ردات الفعل على انسحاب الجيش السوري من أريحا، وكأن الناس ليست منذ بداية المؤامرة وهي تسمع وترى ما هو أشد سوءً، وكأنها لم تتعرض لضغط نفسيٍ أشد وطئاً مما هي عليه الآن، فقررت أن يكون المقال عن سوريا، وبما أني اعتبرت أن مقدمة المقال جزء لا يتجزأ منه، رغم أنه لا رابط بينهما، إلا أن النهاية كانت كعروة وثقى لا انفصام بينهما، فتكرار فكرة المقارنة بين حزب الله وداعش، هي بالضبط كفكرة تكرار معزوفة ترهل الدولة ووهن الجيش وسقوط النظام، لن تترسخ إلا في أدمغةٍ لا عقل فيها اللهم شذرةٌ لا تحتمل إلا ما يتكرر على السمع، ومازلت على يقينٍ بأن من عرَّى الحقيقة وهي في زخرفها، يستطيع التعامل معها برصانة وفراسة مهما كررت لباسها وعددته.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024