الأحد 2015-05-31 18:19:47 رأي
الحرب الاجتماعية .. قادمة أم لا ! ...

حسن حسن - خاص سيريانديز سياسي

ما كان بعيداً عن التفكير كخيال، أصبح اليوم حاضراً أمام العين كواقع، وما كان محرماً أصبح مباحاً، وما كان مهملاً أصبح اليوم أساسياً. انقلبت المفاهيم رأساً على عقب، وانشغل التفكير بأمور غريبة عنه فأصابه التشويش والتضييق. تختصر هذه العبارة واقع الحرب على سوريا وتفاعلات الأزمة فيها التي باتتا ترخيان بظلالهما القاتمة على مفاصل الحياة والإنسان فيها، بدءاً من السياسية وليس انتهاءً بالواقع الاجتماعي والأخلاقي.

الحرب الممنهجة على سوريا، والتي لم يعد خافياً فيها للقاصي والداني، حجم ونوعية التدخلات والمصالح العربية والإقليمية والدولية، ونوعية الأفكار والرؤى والمخططات والطاقات التي تم حقن المجتمع السوري فيها بغية إنجاز تغيير متعمد ومقصود فيه، يؤثر على الوزن الإقليمي والدولي له، ويعيد إنتاج الدور السوري وفقاً لقوالب مقبولة من الغرب.

لعل كل ما سبق ذكره طبيعي في ظل الحروب والنزاعات المجتمعات، وتشهده مناطق الصراع عادة، أما الإرهاب المستجلب إلى سوريا، والمرغوب في توطينه، مترافقاً مع أسلحة إعلامية وحربية، فهذا ما يشكل الاستثناء الخاص بالحرب على سوريا.

إرهاب من نوع جديد، يقوم على إلغاء الآخر كلياً، وعلى إثارة الفتن والتصفيات والإبادة بدءاً بالفرد مروراً بالأسرة ومن ثم الجماعات والقرى انتهاءً بالدولة. أي بطريقة ممنهجة ومدروسة تختلف عن سابقاتها. في السابق كان يعرف الإرهاب بأنه استخدام القوة لحمل الآخرين على القبول بأفكار محددة. أما اليوم، ومع الأزمة السورية فالإرهاب بات يأخذ معنى استخدام القوة لقتل كل من هو مخالف لك أو غير مرغوب بوجوده!

ما يجري اليوم في سوريا، حرب مفتوحة على جميع الأصعدة، حرب القوى الدولية والمصالح الكبرى، حرب الاقتصاد والسياسية، حرب المبادئ ونقيضها، حرب التخلف والتعصب، حرب الحضارة الإنسانية والهمجية، حرب الجيوش والعصابات والفصائل الإرهابية المسلحة. ما نسمع عنه، ورحى المعارك تدور، مخيف وفظيع جداً، وما سنسمع به بعد أن تحط رحى الحرب أوزارها سيكون أكثر وأشد قسوة وإيلاماً.

لقد كان لهذه الحرب تأثيرات سلبية كثيرة ونوعية في مختلف المجالات، ويمكن القول، إنه تم تجاوز الكثير من الأخطار والتحديات، لاسيما السياسية منها والاقتصادية بفضل صمود الدولة والشعب السوري. لكن يبقى جانب في غاية الخطورة، وهو ميدان يمكن ترحيل الآثار السلبية الواقعة عليه إلى المستقبل القريب، وربما هنا تكمن خطورته أكثر من أي مجال آخر! أتكلم تحديداً عن الجانب الاجتماعي، وخاصةً ما يتعلق منه بأزمة الوعي لدى الأجيال التي عاشت الحرب وولدت فيها.

يمكننا أن نطرح جملة من الأسئلة، أبرزها: هل وحدَّت الحرب المجتمع السوري أم فرقته؟ ما التأثيرات الحقيقية على الأجيال التي عايشت الحرب، ويمكن هنا أن نستعرض من قبيل التذكير فقط أن هناك جيلاً بأكمله من الأطفال كان عمره سبع سنوات عندما بدأت الحرب، واليوم عمره ثلاثة عشر عاماً؟ كيف يمكن للدولة عبر مؤسساتها المختلفة أن تعيد إنتاج المفاهيم والقيم الجديدة التي أقحمت في عقول وأخلاق مئات آلاف الأطفال، ممن يعيشون في المناطق التي تسطير عليها الجماعات الأصولية.

إن هذه الحرب لها تأثيرات مباشرة على الأجيال، وبرز ذلك جلياً اليوم على أرض الواقع، كما لها آثاراً غير مباشرة لا تقل أهمية وخطورة عن الآثار المباشرة والتي ستظهر تدريجياً في المستقبل إذا لم تعالج.

إن المتتبع للأحداث منذ بدايتها، يرى أن هناك قسماً كبيراً من السوريين تحولوا إلى أدوات خبيرة ببث الأفكار والعقائد المسمومة، عبر انخراطهم بالعمل  مع جماعات الإسلام السياسي. وهم من قاموا بتوفير الحاضنة الاجتماعية للإرهاب ومقاتليه على الأراضي السورية، سواء بقناعة منهم أم بخوف، أم تلبية لمصالح ما!

الخطر الحقيقي أن يرسخ استمرار الحرب هذه النفسية الإرهابية القاتلة في نفوس الأجيال الجديدة، لتتحول إلى ثقافة كراهية وحقد قد تعود للظهور متى توفرت لها بيئة اجتماعية مناسبة لها في المستقبل.  ما يعني أن تنتشر في المجتمعات حواضن أفكار ومستولدات لها تكون أشبه بأوبئة تظهر مع أول ركود للماء يتاح لها.

إن إطالة أمد الأزمة ليس من مصلحة الشعب، فقد يسهم ذلك في خلق الشرخ بين أفراد المجتمع، نتيجة ما تقوم به المجموعات الإرهابية يومياً من ممارسات القتل والتدمير وإثارة الفتن والغرائز الفردية والتصفيات الممنهجة لمكونات معينة من المجتمع السوري.

من هنا، يجب على مؤسسات الدولة، لاسيما تلك المختصة بالشؤون الاجتماعية والطفولة والتربوية والتعليمية أن تعي تماماً خطورة هذه المسألة، وأن تبدأ العمل على وضع الحلول الممكنة لها، لا أن تنتظر الحرب حتى تنتهي حتى تبدأ بالعمل، فالعلاج يجب أن يبدأ الآن.

أي أن تبدأ بعلاج الأسباب الحقيقية الآن، لا أن تنتظر لتعالج آثارها لاحقاً، مبقية بذلك على الأسباب كامنة تظهر تأثيراتها كلما هبت رياح مواتية لها. وحتى تبدأ تلك المؤسسات بالعمل، يبرز دور الأسرة كسابق للدولة وأساس لها، فما قد تقوم به في هذا المجال غاية في الأهمية.

يمكن للفرد أن يقوم بما يمكن له القيام به نيابة عن الدولة، ويجب عليه أن يساهم بأي مجال أو مستوى يمكن له المساهمة والمساعدة فيه، لا أن ينتظر الدولة حتى تقوم له بكل شيء. الفرد يشكل رديف للدولة لا عنصر عالة عليها، وسوريا تخوض حرباً شرسة اليوم، ويجب على الجميع التكاتف والعمل سوية. وكل ما يمكننا القيام به كأفراد ومجتمعات مجتمع أهلي سيخفف العبء عن الدولة ويدفعها للتفرغ للميادين الأشد ضراوة وقسوة في هذه الحرب.

إذا كانت هذه الحرب الظالمة قد جعلتنا نخسر الكثير من قيمنا وأحلامنا ووقائعنا عنوة وقسراً، فلنعمل معاً على الحفاظ والحصول على تلك القيم والمبادئ التي نؤمن بها، وتلك التي نرغب حقيقةً في الحصول عليها.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024