الأربعاء 2015-06-03 16:07:07 تحليل سياسي
الخلافة الأردوغانية ..والحلم الموؤد

محمد عبد الكريم مصطفى - خاص سيريانديز سياسي

ما من شك بأنه لدى الرئيس التركي " رجب طيب أردوغان " القادم من أقبية التطرف الديني ، نزعة إخوانية عالية التوتر وهي غير مخبأة لديه بالرغم من تعارضها مع القانون التركي ، ويُحاول من خلال هذا الفكر العدواني رسم أحلامه الموؤدة سلفاً بإعادة الخلافة الإسلامية من جديد تحت رايته أو بتعبير ادق إقامة " الخلافة الأردوغانية " كبديل تاريخي للخلافة العثمانية المنهارة والتي قضى عليها القائد العسكري التركي  مصطفى كمال أتاتورك بإسقاط السلطان محمد السادس ( محمد وحيد الدين ) كآخر سلطان عثماني في عام 1918 ميلادية ، وعلى خلفية معاهدة " سفيرة "المهينة التي وقعها السلطان محمد السادس مع قادة دول الحلفاء ، وقضت على إبقاء سلطة الخلافة شكلاً ، بينما ضربت أوصال تركيا عسكرياً وجغرافياً وأجازت للحلفاء توزيعها ما بين الروس والايرانيين وإبقائها خارج الاتحاد الأوروبي ، ومع قيام الثورات العربية القومية في الدول العربية ومطالبتها بالاستقلال ، أضحت الخلافة العثمانية فاقدة للسلطة إلا على قصر السلطان وحديقته الخلفية ، وتحولت إلى عبء اقتصادي واجتماعي على الأتراك أدى إلى تحرك عسكري بقيادة مصطفى كمال أتاتورك الذي نال الدعم الشعبي الواسع نتيجة الأفكار الستة التي أطلقها وهي التركيز على القومية التركية وتعزيز الشعور القومي على حساب الديني ، إعلان تركيا جمهورية علمانية شعبوية تسود فيها مركزية الدولة الثورية ، لذلك يعتبر الأتراك " أتاتورك " باني تركيا العلمانية الحديثة ، على الرغم من التأخر في تطبيق النظام البرلماني التعددي المبني على المنافسة الحزبية .

  في واقع الأمر تجاوز الرئيس التركي " أردوغان "الكثير من موجبات الدستور التركي واطلق العنان بقوة لطموحاته الجامحة باستغلال الواقع المضطرب للمنطقة وخاصة دول الجواروإلغاء الحدود مع الدول المجاورة لتركيا وإعادة المنطقة إلى حظيرة الإمبراطورية العثمانية المندثرة ، ضارباً بعرض الحائط كل القيم الخلاقية التي تقتضيها حرمة الجوار ، حيث حول تركيا خلال أقل من خمسة سنوات من مبدأ صفر مشاكل مع الجوار إلى صفر صداقة مع الدول المجاورة وعلى رأسها الجمهورية العربية السورية .

  على المستوى الداخلي التركي اختصرت صحيفة الفاينانشال تايمز واقع المجتمع التركي بعددها الصادر يوم 25 أيار 2015 حيث جاء فيها : " يأمل الملايين من الأتراك العلمانيين عموماً في التصويت اقامة مجتمع تعددي يرفض الاحتضان الخانق لأبوية أردوغان ، مؤكدةً بأن الانتخابات القادمة من شأنها أن تبين للرئيس حدوده غير المعروفة .. " ، حيث يقوم أردوغان بمحاولات مستميته لتركيز السلطة بيده من أجل التغطية على سياساته الفاشلة التي أضرت كثيراً بمصالح الشعب التركي والدولة التركية ، وخلق مشاكل يصعب على تركيا تحملها مستقبلاً ، اهمها : الدعم المباشر والعلني للإرهاب الدولي العابر للحدود وتقديم التسهيلات اللوجستية والسلاح والمال ، حيث شكلت فضيحة شاحنات الأسلحة التركية للإرهابيين مطلع عام 2014 إثباتاً موثقاً ضد أردوغان وحزبه المرتبط مع الجماعات الإرهابية التكفيرية بمواثيق وعهود لم يعد بمقدور أردوغان إخفائها رغم الحملة الواسعة من الإعفاءات والتنقلات التي أجراها في صفوف الشرطة والقضاة وممثلي الادعاء العام ، وحصر هذه المهمات الحساسة بأتباعه ، كما شكل التراجع الاقتصادي المتمثل بانخفاض قيمة الليرة التركية إلى أكثر من 40 % تجاه العملات العالمية الأساسية ، مؤشر حقيقي على فشل سياسة حزب العدالة والتنمية ، إضافة إلى ارتفاع مستوى البطالة ، وانخفاض نسبة التنمية الاقتصادية ، والمشكلة الأهم التي تسبب بها أردوغان وحزبه للشعب التركي هو حالة الارتباك السياسي الذي ميزَّ تحركات الحكومة التركية ، وفقدانها البوصلة تجاه الحفاظ على الدستور العام لتركيا والقانون الناظم ، والتضييق على الحريات العامة ومحاصرة الأحزاب المعارضة لسياسة أردوغان ، إضافة إلى فقدانها لدورها السياسي المفترض في المنطقة ، وتسعير عدائها المعلن ضد سورية الدولة التي تربطها بتركيا علاقات تاريخية واجتماعية عريقة لن يحقق العبث بها غير الأذى للشعبين التركي والسوري بآنٍ معاً .

  يؤكد المراقبون بأن تركيا ونظامها العميل للكيان الصهيوني وأمريكا سيكون الخاسر الأكبر من تلك الحرب التي ستذهب محصلتها الطبيعية لجيوب شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية والغربية ، ويعود ريع إعادة الإعمار بعدها إلى دول وشركات غير تركية بالتأكيد ، ولن يُحقق النظام التركي أية مصلحة لتركيا وشعبها جراء ما قام به ، وسينعكس الدور القذر الذي لعبته الحكومة التركية ضد الشعوب العربية خلال تلك الفترة إلى مشاكل إضافية سيتحمل سلبياتها الشعب التركي وأنظمته المتوالية على مدى عقود قادمة ، لذلك إن استمرار أردوغان وحزبه في السلطة لن يتمكن من تحقيق السلطنة الموعودة ، ولن يجلب لتركيا سوى المزيد من الأعداء والأعباء التي تثقلها مستقبلاً . 

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024