السبت 2015-06-06 05:07:24 تحليل سياسي
نكسة حزيران والبعد التاريخي لها ؟

ونحن نستحضر ذكرى نكسة الخامس من حزيران 1967 وآثارها المادية والمعنوية على العرب شعوباً ودولاً وجيوشاً ، الحرب التي استطاع خلالها جيش الكيان الصهيوني احتلال بقية أجزاء فلسطين كغزة و القدس الشرقية وغيرهما ، إضافة إلى احتلال مناطق واسعة من مصر وصولاً إلى السويس ، ومرتفعات الجولان ومدينة القنيطرةعلى الجبهة السورية ، نستطيع القول بأنها كانت نكسة وليست هزيمة ، لأن الشعوب العربية التي تلقت الصدمة لم تستكن لخسارة المعركة والأرض ، واستمرت في وقوفها خلف جيوشها الوطنية في مصر وسورية مطالبة باستعادة القدرات القتالية وبناء الجيش العقائدي القادر على متابعة المواجهة مع الكيان الصهيوني الغاصب حتى النصر عليه ومنعه من تحقيق أهدافه التوسعية التي لا تقف عند حد معين ، حيث تمكنت كل من مصر وسورية من استيعاب صدمة النكسة ودراسة أسبابها والثغرات التي أدت إلى الخسارة السريعة للمعركة ، والتاكيد على استمرار الحرب حتى تحرير كامل الأراضي العربية المحتلة بما فيها فلسطين كاملةً وتمكنت الجيوش العربية في سورية ومصر من التنسيق والمتابعة وانتزاع زمام المبادرة من جيش الكيان الصهيوني من خلال الهجوم المباغت والصاعق في معركة خُطط لها على أن تكون حرب التحرير الشاملة في السادس من تشرين عام 1973 ، في الوقت الذي استعدت فيه القيادة السياسية في سورية بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد على أن تكون حرب العرب الأولى التي تحقق الانتصار الواسع على الكيان الصهيوني ، كان على المقلب الاخر في مصر من يعتبرها حرب تحريك لتحقيق غايات سياسية منقوصة لا ترقى إلى مستوى النصر والتحرير ، ومع ذلك كانت حرب تشرين التحريرية نقطة تحول أساسية في تاريخ الصراع العربي الصهيوني ، وهذا تطلب إعادة دراسة أسباب الهزيمة من قبل الكيان الصهيوني وحليفته الأساسية أمريكا ، وتغيير التكتيك المعتمد بالكامل .

  ماجرى على الساحة العربية خلال العقود الخمسة الماضية من غزو للدول العربية وتدمير لمقومات العمل العربي المشترك وتباينات واسعة في حركة البازار السياسي على فلسطين وبقية المناطق العربية المحتلة شكلاً ومضموناً ، يجعلنا نُعيد اسقاط البعد التاريخي لنكسة الخامس من حزيران وما بعدها من دور خياني فاعل للرجعية العربية التي كانت الداعم الأساسي لإنشاء إسرائيل ، وقامت بدعم بقائها وتمويلها بكل ما تتطلبه من أموال كانت تدفعها السعودية ودول الخليج سابقاً بشكل سري ، لكنها اليوم تقوم بتنفيذها علناً وبكل وقاحة مقدمة نفسها كأهم آداة في المنطقة تعمل على نجاح المشروع الصهيوني وإقامة مملكة يهوذا الكبرى على أنقاض الدول العربية المتهاوية الواحدة تلو الأخرى .

   لقد استطاعت مملكة الرمال وشركائها في محور العمالة لإسرائيل ولأمريكا والغرب عموماً تحقيق نكسة كبرى للعرب تفوق نكسة حزيران بأضعاف مضاعفة ، لم تكن " إسرائيل "  تحلم بالوصول إليها أو تحقيقها في يومٍ من الأيام ، فهي دعمت احتلال بيروت ومولت كل الحروب التي قام بها الكيان الصهيوني للقضاء على المقاومة اللبنانية ، وتحملت السعودية ودول الخليج أعباء احتلال العراق وتدمير دولته وجيشه العربي الذي كان يُعد من جيوش العالم الكبرى ، وكانت المهلل الأول لتقسيم السودان والعراق ، ومولت الإرهابيين الذين دمروا الصومال ، وسهلت عملية تدمير ليبيا ، وقامت بالحرب على اليمن ضمن تحالف خياني غادر في محاولة للقضاء على استقرار اليمن وتقسيمه ، كما ساهمت المملكة الوهابية في ضرب الصف الإسلامي وتحريك الفتنة المذهبية في كل دول المنطقة ، وهي من أنشأ كل التنظيمات الإرهابية المسلحة في المنطقة من داعش إلى جبهة النصرة وأرسلت الإرهابيين المدربين والمزودين بكل أنواع الأسلحة المتطورة إلى سورية العراق لبناء دولة الخلافة الإسلامية المزعومة على أنقاض الدولة الوطنية ومؤسساتها الشرعية .

  في واقع الأمر تساهلت الأنظمة العربية التقدمية كثيراً في مواجهتها الواجبة للأنظمة الرجعية العربية خلال العقود الخمسة الماضية ، وفتحت الباب واسعاً أمام حكامها للعب دورهم التخريبي تحت يافطة العمل العربي المشترك تارةً أو تحت مبدأ التضامن العربي الذي تبين فيما بعد بأنه مجرد عناوين تمويهية وغطاء لما تقوم به دول العمالة لأمريكا والتي كانت ولم تزل تُمثل البلاء الأكبر للعرب وللشعوب العربية ، وإن الحرب القائمة اليوم ضد التنظيمات الإرهابية في كل من سورية والعراق واليمن وغيرهم ، ما هي إلا حرب وجود للمكون العربي الحضاري ، فإما أن ننتصر ونقضي على الإرهاب وداعميه ومموليه من الكيانات الوهابية الرجعية ، ونستنهض التاريخ العربي من جديد ، وإما سنعود إلى عهد القبائل والخيم والتناحر الطائفي والعشائري إلى يوم تتمكن إسرائيل من القضاء على كل التاريخ العربي ، وما تحطيم الآثار وتدمير شواهد التاريخ على الحضارة العربية  السابقة إلا عمل صهيوني ممنهج يستهدف عوامل بقاء العرب ، ويُخطط لمحيهم من الوجود وإعادتهم إلى عصور الانحطاط والعبودية .

  إن ما يقوم به الجيش العربي السوري وحلفاؤه في محور المقاومة اليوم من إنجازات يومية في مواجهة الإرهاب والدول الداعمة له ، هو من ضمن عملية الرد الطبيعي والموضوعي لنكسة حزيران وكل الخسائر التي تلقتها العروبة والعرب على مدى التاريخ الحديث ، وإن انتصار سورية الموعود مع حلفائها هو في خدمة الشعوب العربية والإنسانية ، لأن الحضارات تبنى بالتفاعل الايجابي والتعاون البناء بين مكونات المجتمعات المختلفة ، ولا تُبنى بتدمير مكون من مكونات الشعب والبناء على جثث الأطفال والنساء والشيوخ كما تفعل داعش وأخواتها ..    

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024