الأحد 2015-06-07 15:04:19 رأي
الاجتياح.... إلى متى؟

د. أشواق عباس
لمجلة جهينة
لعلّ ما حدث ويحدث في العالم العربي من "ثورات" نعتت "اغتصاباً" باسم الشعوب العربية، يعري الواقع العربي ويكشف عن مكامن ضعفه الخطيرة. خاصةً، تلك المتعلقة منها بقيمه الأخلاقية والثقافية. فقدرة الغرب على توظيف جماعات الإسلام السياسي واستخدامها كأداة لزلزلة البنى الدينية والثقافية والأخلاقية والقيمية لدى الشعوب المنتشرة على امتداد الدول العربية المعاصرة، وتمكّنها من الانتشار في أوساط العامة والخاصة، يعني في مدلولاته المباشرة وغير المباشرة وجود هوة كبيرة بين ما تتبناه وتعلنه تلك الشعوب من قيم ومبادئ، وبين ما تمارسه في حقيقة أمرها، ولاسيما في ضوء الممارسات الشنيعة التي ارتكبت بحق الإنسانية في هذا البلد العربي أو ذاك. فتلك الشعوب، التي لا تكفّ تستعيد التاريخ الاستعماري، وتندّد بما تسبّب به في بلدانها من احتلال وتفرقة وطائفية، لا تمانع في واقع الأمر من تكرار المشهد التاريخي الاستعماري القبيح على أراضيها، وبأدوات عربية!، في ظل غياب واضح ومتعمّد للنخب الثقافية العربية التي انكفأت على نفسها مفضلةً إما الصمت، أو الهجرة إلى بلدان الاستعمار، وإما التشظي بين الحالتين.
ما حدث في واقع الحال، يُظهِرُ واضحاً بأن الشعوب العربية لم تستطع حسم هويتها سواء على المستوى القطري أو العربي. خاصةً، وأنها تتشتت اليوم بين قوى إقليمية عانت على أيديها ما عانته، وبين قوى محلية أقل ما يُمكن أن تُوسم به بالظلامية والتخلف.
بين مطرقة الغرب الضارب على الأعناق، وبين سندان فقدان الهوية، يُصبح مصير المنطقة على "كف عفريت". فالعالم العربي الذي عجز منذ تحرره من العثمانيين والغرب، لم يستطع إيجاد أو خلق نخب ثقافية حقيقية تشكل بنية متماسكة، يمكن أن تكون المقدمة الحقيقية والأصيلة لتقدمه ووقوفه في وجه المشاريع الغربية. بل تبقى حالات التصدي لتلك المشاريع الغربية والخارجية عند شعب هذه الدولة العربية أو تلك مجرد اختراق للبنية العربية وليست جوهرها وأساسها.
الأمر الذي يحتّم علينا الوقوف الآن أمام مرآة ذاتية كاشفة للواقع، ننظر فيها إلى الذات والهوية العربية، ونطرح الأسئلة الصعبة الصحيحة التي يُمكن فعلياً الإجابة عليها. ولعل أولها: ما جوهر الهوية التي نحتاجها اليوم، والتي تكون قادرة على إيجاد حدود فعلية لا وهمية لانتماءاتنا؟ أي نوع من النخب التي نحتاجها، والممكنة فعلاً، لتشكل شبكة تعيد جمع الشتات العربي من أقصاه إلى أقصاه، وتشكل بنية حقيقة لنا؟ نمط الهوية والسلطة والأنظمة والسيادة التي توفر لشعوبنا التماسك والصمود والفاعلية؟.
أسئلة كبرى بحجم واقعنا المشتّت بين نخب ثقافية مزيفة ومرتهنة للغرب والمال، وبين شعوب تائهة بين تخبّط الأفكار والمصطلحات. واقعنا المشتّت بين إسلام سياسي وبين إسلام منغلق ومصادر لرجال دين مصطنعين يقوضون كل مبادرة تنويرية صحيحة. واقعنا المشتّت بين أنظمة سياسية فاسدة تتاجر بشعوبها، وبين أخرى تحاول صيانة شعوبها وسيادتها لكنها محاربة ومطوقة من الغرب وقوى التخلف العربي.
عندما نتمكن على المستوى القطري والعربي من الإجابة عن الأسئلة السابقة، ونحسم المعادلة لصالح أحد طرفي هذه المعادلة، عندها فقط نتمكن من تحديد الهوية. فإما القبول بواقع التخلف والركون له مع ما يعنيه ذلك من مصير أسود مظلم لشعوبنا، وإما التصميم على قلب الطاولة على رأس من يستلب العرب وحضارتهم، وما يعنيه ذلك من تحديد الهوية والمضي نحو المستقبل الصحيح والعقلاني.
وحتى يصبح حسم المعادلة أمراً واقعاً، على الشعوب العربية أن تتحمّل ويلات الحرب والموت والدمار، علّنا هذه المرة نستعيد هذا الواقع، الذي سيصبح ماضياً في الغد، استعادةً صحيحة تمنعنا من تعليق كل أخطائنا على شماعة الاستعمار الذي أتينا به بأيدينا إلى أراضينا.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024