لا يمكن لآبار نفط وبضع دشاديش أن تمحو دولةً كانت لديها حضارة آلاف السنين، فللتاريخ والجغرافيا لغة القدر ، وحتى يتغيران لا بد من كارثة طبيعية عظيمة أو حرب دينونة أليمة.

إن كانت طهران قد احتجزت قطعتين بحريتين أمريكيتين في مياه الخليج، فماذا سيحل بسفن بني قريظة في الرياض؟! الأخيرة حاولت تعويم نفسها كقوة إقليمية في مواجهة إيران من خلال تشكيل حلف مذهبي وقطع العلاقات الدبلوماسية، ولم توفر أي خطوة استفزازية إلا وقامت بها تجاه طهران بدءاً من الحرب على اليمن  مروراً بمقتل الحجاج الإيرانيين وصولاً إلى قطع العلاقات الدبلوماسية خليجياً.

الإعلام الخليجي في الآونة الأخيرة عمد إلى تنظيم حملة صحفية تسوق لمزاعم تعاظم قوة الناقة الأعرابية مقابل الفيل الفارسي، والمتابع لما روجته تلك الوسائل يظن لوهلة أن جميع دشاديش الربع الخالي قد باتت جاهزة لـ "الفزعة" البدوية على أحفاد الاكاسرة!.

أما صناع السجاد التبريزي في إيران فلم تسيطر عليهم ردات الفعل، وببرودة أعصاب تامة قاموا بالرد على كل زعيق أبناء آوى في الصحراء، بحركة واحدة فقط تم إيصال الرسالة، إن كنت واثقاً من قوتك فعليك مواجهة الوحش الأكبر ومن المقدمة، وهذا ما فعلته إيران عندما احتجزت قطع بحرية أمريكية في مياه الخليج، بمعنى آخر لم تقم طهران بالرد على الاستفزازات الخليجية من خلال الاقتراب من قطع خليجية أو حتى التحرش بها، وإنما تم التوجه نحو الأقوى أي الأمريكي، وهي رسالة إيرانية للسعودية بالدرجة الأولى تقول أن طهران لا تنظر للرياض كند لها، بل هي تواجه واشنطن مباشرةً.

وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" أعلنت خبر احتجاز إيران لقاربين تابعين للبحرية الأمريكية، فيما أكدت إيران أنها ستعيد أفراد الطاقمين فوراً ويبلغ عددهم عشرة عسكريين، حيث كانوا متجهين من الكويت إلى البحرين.

إذاً على كل الأنظمة الخليجية أن تحذر الرد الإيراني، وقبل الخليجي على الأمريكي أن يكون حذراً جداً في التعاطي مع طهران، سواءً في الملف النووي ورفع العقوبات، أو فيما يتعلق بدعم أمريكي لأي تصعيد خليجي محتمل.

هذه الحادثة أتت بعد قيام ما سُموا بنشطاء إيرانيين بإنتاج فيديو يحاكي حرباً إيرانية ـ سعودية، أظهر القدرة الصاروخية الإيرانية وكيفية تدميرها للبنى العسكرية السعودية، البعض اعتبر الفيديو أكبر من مجهود يقوم به نشطاء عاديون، قد يكون للاستخبارات الإيرانية يد به وقامت بتسريبه، لأنه يظهر أنواع الأسلحة الإيرانية المستخدمة بدقة والأهداف التي ستضربها أيضاً وهذا أكبر من قدرة ناشط عادي على تنفيذه لوحده.

إذاً فإن ملامح الرد الإيراني الغير مباشر بدأت بالظهور، وعلى أنظمة المناسف الدسمة في الخليج أن تفكر مئة مرة قبل أن تقنع نفسها بأنها تستطيع مواجهة التاريخ والجغرافيا، لا يمكن لبدوي لم يتمدن بشكل كامل حتى الآن، أن يواجه حضارة قديمة أبدعت في كل الفنون والعلوم، هي تلك الرسالة الأخيرة التي أراد  الإيراني أن يوصلها بحسب مراقبين.