عصفت الخلافات الاقليمية والدولية بفصائل المعارضة السورية. وفي الوقت الذي تأكد فيه أن اجتماع ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة لن يعقد في موعده في جنيف الاثنين المقبل، رفعت موسكو من ضغوطها على واشنطن والأمم المتحدة للإسراع بتأليف الوفد المعارض، مهددة بأنها قد تدعم في جنيف وفداً معارضاً جديداً، إذا رفضت المعارضة التي شكلتها الرياض تعديل فريقها الحالي أو إذا قاطعت المحادثات.
ومن جهتها، سارعت باريس، الداعمة لوفد الرياض، إلى رفض الموقف الروسي، فيما اعتبرت أنقرة أن روسيا تعرض مفاوضات جنيف للخطر بالإصرار على إشراك «جماعات إرهابية»، مثل «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية، ضمن وفد المعارضة.
في هذا الوقت، ذكرت مجلة «فورين بوليسي» أمس أن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا اتهم، في إيجاز له أمام مجلس الأمن الاثنين الماضي، الرياض، من دون تسميتها، بتعقيد جهوده لإيجاد حل ديبلوماسي للأزمة السورية، وذلك بمحاولتها تشديد قبضتها على اختيار الجماعات التي سيسمح لها بالمشاركة في مفاوضات جنيف.
وأوضح أمام مجلس الأمن أن الهيئة العامة للمعارضة و «رعاتها يصرون على أولوية دورهم وتفردهم في تمثيل المعارضة». وعلى الرغم من أنه لم يسمِّ الرياض فانه من المعروف أن السعودية تقف خلف المعارضة. وقال «الحقيقة أن الأطراف لا تزال مصرة على مواقفها. الأطراف مختلفون لا على الجوهر فحسب، وإنما ما يقلقني هو أنهم لا يقبلون بأن الأمم المتحدة قادرة، أو يجب أن تساهم في وضع اللمسات الأخيرة على لائحة المعارضة».
وناشد دي ميستورا الولايات المتحدة وروسيا وقوى أخرى دعم وساطته، مشدداً على انه لن يدعو مجموعات معارضة محددة إلى محادثات جنيف إلا إذا أقر اللاعبون الخارجيون الأساسيون اللائحة. وقال «أتوقع أن تقر كل الأطراف بصلاحيتي وضع اللمسات الأخيرة على لائحة المدعوين إلى المحادثات، وتضمينها جميع من أراهم مناسبين». وأضاف «لا نملك، الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) وأنا، أية فرصة في النجاح أو إحداث تأثير، إذا لم يقم الآخرون بدورهم أيضا».
وذكرت «فورين بوليسي» أن أعضاء في مجلس الأمن أبدوا تعاطفهم مع دي ميستورا، إلا أنهم استبعدوا صدور بيان يدعم التفويض الممنوح له. ونقلت عن أحدهم قوله «لديه تفويض مستحيل. لا يتمتع بالصلاحيات الكاملة».
وأعلنت المتحدثة باسم المبعوث الأممي جيسي شاهين أن المفاوضات، التي كان من المفترض أن تنطلق الاثنين، «ستؤجل على الأرجح بضعة أيام لأسباب عملية». وقالت «من المرجح أن يتم إرجاء تاريخ 25 (كانون الثاني) بضعة أيام لأسباب عملية»، مضيفة «نحن ما زلنا نستهدف هذا التاريخ، وفي كل الأحوال سنجري خلال نهاية الأسبوع تقييما للتقدم الذي تم انجازه».
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي التقى دي ميستورا في دافوس، أعلن أن محادثات السلام المقررة بين الحكومة السورية والمعارضة في جنيف قد تتأجل يوما أو يومين، لكن لن يحدث تأخير كبير.
وقال كيري، رداً على سؤال لدى بداية اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عما إذا كان قلقا من حدوث تأجيل للمحادثات المقررة في 25 كانون الثاني يمكن أن يفقدها زخمها، «حين نقول تأجيلاً فهو ليوم أو يومين لتوجيه الدعوات، لكن لن يحدث تأجيل كبير. العملية ستبدأ في 25 كانون الثاني، وسيجتمعون، وسنرى أين وصلنا حتى الآن».
وقال «الاجتماع الأول سيكون غير مباشر. لن تروا وضعاً يجلسون فيه حول طاولة يحدقون إلى بعضهم البعض، أو يصرخون في بعضهم البعض»، مرجحاً عدم قيام دي ميستورا بتوجيه دعوات حتى الأحد المقبل. وأضاف «ما سيحدث هو أنه سيكون هناك بعض المناقشات (في جنيف) الاثنين، ويمكن أن أقول إن المشاركين (في المفاوضات) سيكون بمقدورهم المجيء بحلول الثلاثاء والأربعاء».
في هذا الوقت، شكلت السلطات السورية وفدها إلى لقاء جنيف التفاوضي. وقال مصدر رسمي سوري إن كلا من نائب وزير الخارجية فيصل المقداد ومندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري سيرأسان الوفد الحكومي، الذي يضم أيضاً «ثلاثة ديبلوماسيين وثمانية من كبار المحامين».
وأبدت موسكو معارضتها الاكتفاء بأسماء الوفد المعلن في الرياض، خصوصا انه يضم ممثلين عن فصائل مقاتلة. وكانت «الهيئة العليا للمفاوضات»، المنبثقة من اجتماع الرياض، أعلنت أن محمد علوش، المسؤول السياسي في «جيش الإسلام»، هو كبير المفاوضين في جنيف.
وقال ديبلوماسي روسي «ما نحاول تحقيقه هو إما توسيع وفد الرياض ليضم المعارضة المعتدلة، أو أن يكون هناك وفد معارض منفصل»، معتبراً انه في حال مقاطعة معارضة الرياض للمحادثات «فسوف يأتي الوفد الثاني. سيتفاوضون مع الحكومة». وأشار إلى أنه تم الاتفاق بين روسيا وأميركا على عقد المحادثات السورية قبل نهاية الشهر الحالي، وأن الجمعة 29 كانون الثاني هو آخر موعد محتمل.
لكن ديبلوماسياً فرنسياً رفيع المستوى تمسك بأن تقود المعارضة، التي اجتمعت في الرياض، المفاوضات. وقال «لا ينبغي أن تبدأ عملية (سلام) فقط من أجل أن تبدأ عملية، لكن من أجل النجاح وتحقيق حل فعال ودائم».
وردا على مقترحات روسية بوجود وفد ثالث يمكن أن يشارك في المحادثات، قال الديبلوماسي إن «المنبر الذي تأسس في الرياض أمر أساسي لأي محادثات وفقا لقرار الأمم المتحدة في كانون الأول».
واتهم رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، من دافوس، روسيا بتعريض مفاوضات جنيف للخطر بالإصرار على إشراك «جماعات إرهابية»، مثل «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية، ضمن وفد المعارضة.
ودعم داود أوغلو موقف «معارضة الرياض» بالتأكيد على أنها وحدها من يعود إليها اتخاذ قرار بشأن من يمثل المعارضة السورية في محادثات جنيف. وقال «ستدعم تركيا أي مبادرة سياسية للتوصل إلى حل سياسي في سوريا، لكن المعيار الوحيد الذي نريده هو أن تكون المعارضة المعتدلة ممثلة بإرادتها، وبمبادرة منها. يجب ألا يكون هناك أي تمثيل لجماعات إرهابية حول الطاولة». وأضاف «عدد من الدوائر، وبينها روسيا، تريد أن تخرب جانب المعارضة بفرض عناصر أخرى على المعارضة، مثل وحدات حماية الشعب التي كانت تتعاون مع النظام وتهاجم المعارضة المعتدلة». وتابع «إذا ما أراد آخرون أن يكونوا حول الطاولة فليشاركوا إلى جانب ممثلي النظام».
وقال داود أوغلو «لنتوصل إلى حل علينا أن نوضح الأطراف المشاركة في الحل. احد الطرفين واضح هو النظام، والطرف الآخر واضح وهو المعارضة. والمعارضة تعني المعارضة السورية المعتدلة، المعارضة الحقيقية، وهذه ممثلة بالائتلاف الوطني السوري».
(«السفير»، رويترز، ا ف ب، ا ب)