الثلاثاء 2015-06-09 03:49:06 تحليل سياسي
الرجل الذي أسقط حزبه
انتهت بالأمس الانتخابات التركية، التي تعد الأهم في تاريخ تركيا السياسي الحديث، وذلك لأن أردوغان وحزبه  قد عولا عليها كثيراً لتصفية آخر إرث سياسي لعهد أتاتورك، ولتكون بداية  لإعلان قيام الجمهورية الثانية بحلة إسلامية. حيث لم تكن هذه الانتخابات إلا محاولة انقلاب بأساليب ديمقراطية قادها أردوغان لوضع حجر الأساس لبناء النظام السياسي للدولة العثمانية الجديدة، من خلال الاختراق التدريجي لمفهوم الجمهورية الأتاتوركية في حقبة قيادة حزب العدالة والتنمية لتركيا. لقد عمل أردوغان، خلال الحقبة السابقة، على تطويع كل مؤسسات الدولة التركية لصالح مشروع الدولة العثمانية الجديدة, ولا يخفى دور الإدارة الأمريكية الداعم لنهج أردوغان تمهيداً لتقوم تركيا بلعب دور في المنطقة يحقق مصالحها من خلال منع توسع النفوذ الروسي للوصول للمياه الدافئة والتصدي للطموحات الإيرانية، والسيطرة على الأنظمة الإخوانية الناشئة في البلدان العربية، التي نجح فيها  الربيع العربي, وللتحكم بسلوك بعض التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة. يقول البعض، أنه لولا الدور الأمريكي، لما تمكن أردوغان من القبض على المؤسسة العسكرية وأجهزتها الاستخباراتية دون مقاومة تذكر, وتطويعها لخدمة المشاريع العدوانية ضد سورية.

من الواضح، أن المشروع الأردوغاني تعرض لإخفاقات كبرى بدأت بعدم قدرته على إسقاط الدولة السورية، وكذلك الإطاحة بنظام الإخوان في مصر وتونس، والفشل في استيعاب الحراك الكردي السياسي في تركيا  بسبب رفض أردوغان تطبيق الوعود التي قدمها للأكراد وللحصول على أصواتهم في الانتخابات الماضية. لقد تحول المشروع المعلن لأوغلو من صفر مشاكل مع دول الجوار، إلى مشروع آخر وهمي هو صفر مشاكل مع الشعوب محاولاً تخفيف عبء فشل سياسته, ويبدو أن نتائج الانتخابات بالأمس كانت ضربة قاضية لهذا المشروع الأردوغاني.

ما حدث في الانتخابات التركية، يعدُّ في حقيقته انتفاضة فعلية للمجتمع التركي في وجه مشروع أردوغانه، في محاولة مستميته للحفاظ على مشروع علمانية الدولة الذي يعد صمام أمان للحفاظ على السلم  والاستقرار في المجتمع التركي متعدد الانتماءات الثقافية والدينية.

نتائج الانتخابات الأخيرة، وضعت تركيا على مفترق طرق, فحزب العدالة والتنمية، الذي حاول إظهار نفسه منتصراً، يدرك أن مشروعه قد أخفق. وبدأ الحديث في كواليس الحزب عن تحول أردوغان وسياسته إلى عبء حقيقي على الحزب، واتهامه بأن سياسته المتعجرفة دفعت فئات المجتمع التركي المتعددة للتوحد ضد مشروعه، بعد أن باتت تدرك جيداً، بسبب سياسة أردوغان، أن مشروعه تحول إلى عامل تهديد حقيقي لوجودها ونمط حياتها.

إن تمكن الأكراد من شق طريق لهم، لأول مرة، إلى البرلمان في تركيا، بسبب السياسة الأردوغانية الأخيرة، وتضامن العديد من شرائح المجتمع المدني مؤخراً معهم، يفتح الطريق أمام فك العزلة عن أكراد تركيا، ويعزز إمكانية نجاح الحلول السياسية، وخروج المجتمع التركي من دوامة العنف المستمرة منذ عشرات السنين.

يبدو أن نتائج الانتخابات التركية الأخيرة ستضع الجميع أمام خيارات صعبة، تتلخص ببعض جوانبها، بتشكيل حكومة ائتلافية تضم حزب العدالة والتنمية وأحد الأحزاب الفائزة. ومن الصعب حدوث ذلك الأمر بسبب الخلافات الحادة بين حزب العدالة والأحزاب الأخرى، أو انتقال حزب العدالة للمعارضة، وهو تحدي أمام الأحزاب التي تمكنت من كبح جماح أردوغان. لكن السؤال: هل العداء لأردوغان كاف لتشكيل حكومة قادرة على حكم تركيا؟ والخيار الأخير هو انتخابات جديدة قد يلجا لها حزب العدالة  في محاولة جديدة لتحقيق حلمه العثماني.

مهما حدث، فالواضح أن تحول أصوات الناخبين قد ارتكز على انتقاد السياسة الخارجية لحكومة العدالة والتنمية. أي تعبير الشعب التركي عن رفضه لما يجري من سياسات غير عقلانية، يدرك تماماً أنها لو استمرت لأخذت المنطقة إلى حروب طويلة أشبه بالحروب الأوربية التي اندلعت لعشرات السنين والتي قضت على البشر والحجر.

 

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024