الأحد 2016-07-24 15:09:00 منبر الإعلام
التلفزيون العربي السوري في ذكرى انطلاقته: لم أكن أتوقع أن أعمل فيه !
التلفزيون العربي السوري في ذكرى انطلاقته: لم أكن أتوقع أن أعمل فيه !

عماد نداف

انتبهت مبكرا إلى وجود التلفزيون في حارتنا، فبين 23 تموز 1960 عندما ظهر التلفزيون في سورية ، وبين تعرفي على بثه الفعلي، مرت سنوات، وفي الحقيقة شاهدت التلفزيون أول مرة في بيت الجيران، عندما ذهبت مع أمي بعد أن دعتها جارتنا للسهر عندها.

كنت أعتبره صندوقا سحريا، فكيف يمكن أن نشاهد الحكايات والأغاني والأخبار في صندوق له شاشة زجاجية تنقر عليها بإصبعك فتعرف أنها فارغة.. هذا يعني أن في المسألة سحرا، حتى لو كان التلفزيون موصولا بشريط كهربائي !

لم تكن تلك اللحظات صدمة لي. كانت واحدة من المتع الكبيرة التي تضاهي مشاهدة السينما أحيانا، والسينما في تلك الأيام كانت قريبة من بيتنا، فقد كنا نسكن بدمشق في الجسر الأبيض وكل دور السينما موجودة على مقربة من طريق الصالحية الذي يبعد عنا نحو ألف متر، وكنا ندخل إلى عروضها أحيانا كل أسبوع!

كنت أعتبره صندوقا سحريا، لكن هذا الصندوق السحري سحرني، فصرت تواقا لمتابعة التلفزيون الذي تأخر دخوله إلى بيتنا أكثر من المتوقع ، وكانت الحكايات فيه تتالى، وأسمع عنها ولا أراها ، فأسعى لتغيير أحاديث أصدقائي الصغار عن حكايات التلفزيون إلى أحاديث عن حكايات الإذاعة التي أسمعها بواسطة الراديو، أو إلى أحاديث عن الأفلام السينمائية الجميلة التي شاهدتها!

عام 1973 كانت الحرب قد اشتعلت بعنف بين العرب وإسرائيل، وشاهدت الطائرات الإسرائيلية، وهي تقصف دمشق، وتصل إلى الاذاعة والتلفزيون، فتقصفهما، ويتساقط الناس شهداء وجرحى..

عندها شاهدت مبنى التلفزيون.. كان جريحا !

في تلك السنة دخل التلفزيون إلى بيتنا، وفيه دخل غوار الطوشة وحسني البورظان وأبو صياح وياسينو وعبدو وفطوم إلى هذا البيت.. في تلك السنة راحت الصورة تشارك الأشياء الأخرى في تشكيل الذاكرة ، وراح ذلك الصندوق السحري يزداد سحرا وألقا، وفيه الدراما والأخبار والرياضة وأفلام الكرتون والأغاني ..

في عام 1977 دخلت أنا مبنى الإذاعة والتلفزيون لأول مرة زائرا ، وشاهدت الفنانين وهم يسجلون برامج رمضان، ولم أكن أتوقع أن الزمن يقربني من أسرته إلى أن جاء عام 1981 وصرت واحدا من العاملين النشطين في مبنى الإذاعة والتلفزيون !

في 23 تموز يحتفل التلفزيون العربي السوري بذكرى إطلاق بثه الخالد، وفي اللحظة التي بدأ فيها البث في الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم من عام 1960 أعلن الدكتور صباح قباني هوية هذا الجهاز الجديد ، هوية وسيلة إعلام تحترم المشاهد وهي تدخل إلى كل بيت .

وبعد خمسين عاما من تلك اللحظة كنت أنسق معه لاحتفالية عيده الخمسين مع أجمل طاقم عمل اشتغلت معه في حياتي وكانت الاحتفالية على خشبة دار الأوبرا بدمشق وقد أخرجها مسرحيا الفنان أيمن زيدان ..

عندما زرت القاهرة لأول مرة ذهبت سريعا إلى التلفزيون التؤام للتلفزيون السوري، في ماسبيرو، وشعرت أن الزمن يخترق الحواجز،.. يكسر الزمن هامة المستحيلات، فإذا بالخيال ينبض واقعا حيا ..

وهذا مايحصل معي وأنا أدخل كل صباح إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون !

 

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024