الأحد 2015-05-17 14:10:54 رأي
" الانقلاب على الصورة"...إستراتيجية التفتيت
الاستهداف الإعلامي الغربي ب" قصف" العقول يتواصل ولم ينقطع أصلاً,وإن كان يأخذ أشكالاً في صيغ تبدو "مغرية" عبر عنها الكاتب الأميركي هربرت شيللر في كتابه "المتلاعبون في العقول" الصادر عن سلسلة عالم الفكر عام 1985 - وشخص بدقة دوره وأساطينه في حرف الرأي العام عن الحقيقة..,وتزوير الواقع وتكبيله بوجبات تحت مسميات شتى منها" الثقافية" كي يقتنص فرصة يسعى إليها تمكنه من قيادة شرائح مجتمعية تسحرها الصورة المغلفة بأنياب حادة.وبرأيي أن الإعلام الغربي ولنقل معظمه حدد آلياته وفق أنساق "معرفية" وشرائحة بدقة لينقلها إلى ساحة المتلقي بعد "قصف" متواصل يجعل من المستهدف مؤمناً بكل ما يطرح,وفق هذا من السهل اليوم أن نرى من يدافع عن الرواية الصهيونية رغم عدم إطلالته على الوقائع التاريخية لمسار الأحداث. وتصبح الرواية العربية محض افتراء ولا ساميه هدفها النيل من " شعب" ظلم وتعرض للمذابح ويصارع كي يبقى في أرضه محاطاً ب"أعداء" لا ينفكون عن تهديد وجوده. يبدو أن صورة المتلاعبين بالإعلام وساحاته قد تسربت منذ زمن طويل إلى كثير من الإعلام الرسمي العربي,طبعاً مرتكزة إلى قاعدة سياسية توجهه,وهذا مر بمراحل طويلة لتطويع العقل العربي . التراجع الذي بدا فاقعاً على الساحة السياسية العربية أُخذت أولى ملامحه من الخطاب الإعلامي الرسمي العربي الذي بدأ يتغلغل بمفردات التطبيع وحديث الموازين والقوى الكبرى,خاصة بعد اتفاق " كامب ديفيد"..,وخروج مصر من ساحة الصراع.وبدأ سيل "المصطلحات" المعدة في الغرف السياسية للإعلام الرسمي العربي تتحدث عن الاتفاقيات والمشاريع والقرارات التي كانت تخفي في جوهرها انزياحاً وشراكة نحو التسليم ب" إسرائيل" كقوة لا يستهان بها في المنطقة. من مؤتمر الخرطوم ولاءاته إلى مؤتمر القمة في بيروت 2002 جرت مياه كثيرة ظهر فيها كم الضخ الإعلامي الرسمي العربي للتحلل من القضية الفلسطينية وحق عودة الشعب الفلسطيني,إلى استهداف منظومة المقاومة وعلى رأسها سورية. أسوق هذا مع المعرفة أن هناك نقاطاً كثيرة يمكن أن يفرد لها صفحات عن ثيمات التراجع السياسي العربي الخطير..,والتحلل- المتدرج- من القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين,والدفع نحو التفاوض مع الاحتلال الصهيوني على غرار ما أقدمت عليه منظمة التحرير وتوقيعها اتفاق أوسلو- طبعاً بتشجيع ورعاية رسمية عربية. حتى نصل إلى جزم في أبعاد المشروع السياسي العربي وارتباطه بالمشروع الأميركي واستراتيجياته ..,يكفي أن نقرأ حجم الضغوط التي انصبت ومورست على سورية لإبعادها عن موقفها الراسخ والمبدئي من تبني القضية الفلسطينية والمقاومات العربية. التصادم الحاد بين مشروعين بدا في أوضح صوره بين موقف سورية والنظام الرسمي العربي إذ ظهر دون رتوش بعد تحرير الجنوب اللبناني عام 2000والدعم الذي تلقته المقاومة من سورية ونحن على مقربه من ذكرى تحرير الجنوب اللبناني,وارتفعت وتيرة الخطاب الإعلامي الرسمي العربي في 2006,في عدوان تموز والتشكيك بالمقاومة.وإن حاولت بعض الفضائيات العربية أن تمارس لعبة التخفي وراء سياسية إعلامية موهت الدور المنوط بها. رغم الضخ الإعلامي والسياسي العربي الرسمي حول أهمية الدور الأميركي وديباجة أوراق الحل بيد أميركا,وفرد مساحات كبيرة جدا لهذه المفاهيم" الرأي والآخر" والضغوط المتوالية على سورية ,لم نشهد إلا تصلباً في الموقف السوري وفي قلبه فلسطين. إذاً لم يكن انقلاباً إعلامياً وسياسياً بل إستراتيجية وصلت إلى الكشف عن نفسها حين أعلنت حربها على سورية..,مدعومة ب"جيوش" إعلامية قدمت نفسها في خطاب لم يعد يقنع أحداً رغم الضخ اليومي . الحرب الإعلامية قد تكون نجحت في مراحلها الأولى,لكن بعد أن أظهر إعلام "الانقلاب على الصورة" ما خبأه في خطابه عبر سنوات من قصف للعقول..سقط في رماله المتحركة التي ابتعلته قبل أن تبتلع من استلبهم.
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024