الثلاثاء 2016-08-30 03:45:13 رأي
مواسم الاصطفاف المجاني
مواسم الاصطفاف المجاني

بقلم علي قاسم:

تتزاحم الأولويات المدرجة في خارطة المشهد الإقليمي والدولي، وسط سيل من التكهنات والاستنتاجات التي تعبّر في جزء منها عن حالة من الزوغان السياسي الناتج عن تبدلات ميدانية وسياسية تكاد تكون متعارضة وأحياناً متناقضة.
حيث أميركا التي تتفنن بنقل بندقيتها من كتف إلى كتف، تمارس سياسة بهلوانية في الخيارات السياسية، ليس أقلها ما يتسرب عن عملية تتشارك فيها مع روسيا لاستهداف المسلحين في مدينة حلب، كما جاء في التوصيف المتداول والتي تم نفيها لاحقاً.‏

في تفسير بسيط لا يخلو من «النيات الطيبة» لحيثيات السياسة الأميركية أو على الأقل لأجنداتها المتبدلة يمكن فهم أسباب ودوافع الخروج الأميركي على المألوف السياسي، وإن بقي عصياً على التفسير المنطقي أو الشرح العقلاني، بحكم ما يندرج من إضافات على هامش الحراك الأميركي لتتحول في بعض الأحيان إلى ركن أساسي من أركان التموضع الأميركي، وما يقتضيه أو يستدعيه من تموضعات جانبية تتشكل فيها جبهات المواجهة والتحالف تبعا لقرب أو بعد السياق الأميركي ومقاربته المتصلة حكماً بالتطورات الميدانية.‏

المفارقة أن الاصطفافات الإقليمية وبعض الدولية التي تعيد وجودها تبعا لمشهد التموضع الأميركي يغلب عليها طابع المجانية والارتجالية والمحاكاة الافتراضية لـ«الفانتازيا» الأميركية، حيث تصاب جميعها بارتجاج مزمن يصيب أصحابها بالارتباك والتخبط، ويصعب عليهم اللحاق بالتبدل الأميركي، كما تعجز أصلاً عن مجاراته في تقلباته، حيث تتحول معظمها إلى خارطة من الاشتباكات التي تتفرغ أميركا لاحقاً لإدارتها.. تهدئة أو تأجيجاً وفق مقتضيات مصالحها، التي لا ترتهن لقراءات متعجلة من قبل البعض ولا تخضع لمزاجية الدور والوظيفة لما تبقى منهم.‏

تحت هذا العنوان تقترب التعليقات على ما يتسرب من تعويل على اجتماع الخبراء المقبل في جنيف بين الروس والأميركيين الذين سيضطرون للأخذ بمعطيات الميدان، تحديداً ما جرى في داريا وما قد يجري لاحقاً في مناطق أخرى، والغاية غير البريئة التي يمكن استنتاجها هي فرملة ما سيحدث من تحولات في الميدان السوري، وفي البيئات الحاضنة للمسلحين أو المناطق التي يسيطرون عليها، بعد أن تزايدت حالة الانقلاب كما يسمونها على الإرهابيين وباتت تشكل هاجساً يقلق الأميركيين قبل سواهم، ويصيب الرعاة الإقليميين بحالة من الهلع من كرة الثلج إذا ما تدحرجت على ذلك النحو المفاجئ الذي ذهبت إليه في داريا.‏

فالقراءات المختلفة تتحدث عن نقاش يدور في مختلف مستويات دوائر القرار المشغل للتنظيمات الإرهابية بأن ما يحدث ليس حالة استثنائية أو انتقائية بقدر ما يعكس صورة صادمة للنهايات المتوقعة، إذ إن ما جرى في داريا على سبيل المثال قابل للتكرار في غير مكان وبصورة أسرع مما حصل..‏

الأكثر مدعاة لقلق المشغلين بمستوياتهم المختلفة.. ما يتم تداوله عن فرق خاصة أو قنوات تواصل فُتحت على مصراعيها أو تم تشكيلها حديثاً من مختلف نقاط وجود التنظيمات الإرهابية التي تمتلك هامشاً يتيح لها ذلك، ومهمتها البحث في طريق مشابه لما حصل في داريا أو الحصول على نقاط تواصل مع الدولة السورية أو الجيش العربي السوري، بعيداً عن أي دور خارجي سواء كان إقليمياً أم دولياً، والابتعاد قدر الإمكان عن كل ما يثير الشبهة باحتمالات التورط في بازار المساومات التي أفشلت كثيراً من التجارب السابقة، ورتبت حسابات ومعادلات كانت الخاسر فيها، فيما نتائج ما تحقق تجنيها أميركا والمشغلون الإقليميون.‏

أميركا التي توحي باقتراب موسم الغربلة النهائية لوجود التنظيمات الإرهابية، تدرك أن ما بقي في الغربال جمع من الكل الذي راهنت يوماً على إنتاج اصطفاف يعيد ترتيب حضوره ودرجة ارتباطه بالتنظيمات الإرهابية مباشرة المدرجة على اللائحة الأميركية، وهي لا تريد أكثر من فرملة لانزياحات ميدانية وسياسية قادمة، تبلورت أو تتبلور في ضوء ما تشهده خارطة المواجهة بين الجيش العربي السوري وحلفائه من جهة والتنظيمات التي فتحت جبهاتها رغم الاصطفاف السابق من جهة أخرى، وبدت الجانبية منها أكثر حدة من سواها، فكانت الرسائل الأميركية تتموج بين لغة الزجر ولهجة اللجم لبعض الاستطالات الناتجة عن فوضى الاصطفاف الأميركي ذاته.‏

في موسم الاصطفاف تتعجل أطراف وقوى وتنظيمات وترتجل دول سواء بصفتها التشغيلية أم بدورها الوظيفي في تقديم الخدمات المجانية للأميركي من أجل حجز مقاعد احتياطية في عربة تسوية قد لا تصل محطتها إحداثيات وجودها ولا تلحظ حضورها، ما يدفع إلى الجزم بأن الأميركي الذي يرفض التصنيف الفعلي للإرهاب وتنظيماته ويؤخر الفصل، ليس بوارد التجريب ولو بالتفكير: ماذا لو صدق في نياته.. أو ماذا لو كان جاداً لمرة واحدة في مكافحة الإرهاب..؟ كيف ستكون خارطة الاصطفاف السياسي والميداني، وما هي إحداثيات المشهد الإقليمي البديل، وأي صورة ستكون عليها المنطقة والعالم وبأيّ عكاز سيستعين، وأي غربال يصلح حينها ..!!؟؟‏

a.ka667@yahoo.com ‏

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024