الأحد 2015-05-17 14:17:12 رأي
جهاد النكاح ثورة أم جريمة؟
ظواهر عديدة كشفتها الأزمة السورية سياسية و اقتصادية و اجتماعية و نفسية إلى آخره، و كلها أخذت غطاءً دينياً، و نُظرَ إليها أيضاً بمنظار ديني مضاد، من غير أن يتعب أحد نفسه بأن يحلل أسبابها البنيوية من منظور إنساني، لكي يتمّ معالجتها و معالجة تداعياتها الخطيرة على حياة الأفراد و على حياة الشرائح الجمعية التي عانت منها. و ربما يكون جهاد النكاح من أطرف هذه الظواهر و أكثرها أذى، لأنّه يفكك البنية الأساسية التي تقوم عليها شخصية الإنسان في علائقها الروحية و الجسدية على حدّ سواء. لولا أنّ ثمة ظاهرة أكثر خطورة برزت من خلال مفهوم حوريات الجنة لدى المجاهدين توضح و إلى حدّ بعيد المغزى من أن ينتحر الإنسان لا شهوة بالقتل و الموت وحدهما، و إنما من أجل حياة أفضل يمكن أن يعيشها بعد الموت. ليس لديّ كثير من الأسباب لأقوم ببحث في حقيقة الحوريات و إمكانية توفرها في الجنة - فهذا مبحث ديني يمكن أن يلتبس بكثير من العقائد الإيمانية لا توفّر أسساً و معايير للتوافق حولها بين الناس حتى المؤمنين منهم دائماً، لكن يمكن ببساطة التساؤل عن الدوافع التي تجعل الإنسان يحلم بهذه الحوريات غير دوافع الحرمان و العوز الجنسي الذي يعيشه في حياته الواقعية؟ و لو كانت الإجابة تتعلّق بإشباع هذه الدوافع وحدها لكنت اختصرتها بما يشبه إجابة ممثلة الأفلام الإباحية الأمريكية ستورمي دانيلز حين عرضت على أيّ مجاهد انتحاري ليلة جنسية مقابل العدول عن فكرة الانتحار و قتل الذات و الآخر. ذلك أنّ الفراغ الجنسي لهذا المجاهد لم يُملأ بثقافة مماثلة لثقافة هذه الممثلة البراغماتية، و إنما مُلئَ بثقافة القتل و الاعتداء، و كذلك بثقافة التحرّش و الاغتصاب. و على هذا تكون دعوة هذه الممثلة قد جاءت متأخرة، و ربما تناسب شباناً لمّا يدخلوا بعد في مرحلة اليأس و التمرّد. ربما يتوافق جهاد النكاح مع عرض الممثلة الأمريكية، طالما أنّ الهدف من الوقوف في وجه التفجير الانتحاري هو درء الأذى الآني و اللاحق و المستمر على كافة الجبهات الإنسانية. و لكنّ لجهاد النكاح ثقافته غير المتوافقة مع منظومة المجتمع السلمي المتعدّدة في حلولها الوهمية و الواقعية للإشباع الجنسي. كما أنّ النساء المتطوعات لهذا النوع من الحلّ على افتراض توفرهنّ سيحتجن لمغريات و متطلبات أكثر بكثير من تلك التي تقبل بها بائعات الجنس، متطلبات اعتبارية عاطفية و نفسية إلى آخره، و ربما أكثر ما يحرج في هذا الحلّ هو غياب ذات المرأة الشهوية و رغباتها و رؤيتها لمقابلها الجنسي. و بالتالي رفضها المحتمل و المحقّ لأن تتحوّل إلى موضوع أو أداة جنسية مطواعة كما هي حالها في حياتها الزوجية –المُتاجر بها أيضاً- مع الأثرياء الذين التقطوها من مخيمات اللجوء. لكن كلّ هذه الاعتبارات لم تعد ذات قيمة معيارية لدى أيّ طرف من أطراف النزاع السوري، و لاسيما بعد أن تحوّل جهاد النكاح إلى نوع من الفسر و الاغتصاب الجماعي. لا يمكن النظر إليه إلا كجريمة بشعة لا يمكن قبولها بأيّ شكل من الأشكال و تحت أية ذريعة كانت.
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024