الجمعة 2017-01-13 04:00:45 رأي
لماذا لا تتجرأ طائرات العدو على بيروت كما تتجرأ على دمشق؟

خضر عواركة - خاص وكالة انباء اسيا 

ليس هناك مدينة  فاضلة  في هذا العالم، حتى "الفاتيكان" و"مكة" و"القدس" لم تكن يوما ولن تكون في هذا العالم الدنيوي مدنا فاضلة. فكيف بدمشق التي لا يعني الوقوف معها ومع  الشعب السوري "إفتخاراً بقرار خاطيء أو بظلم واقع أو بمنع لحرية تعبير أو بحجب لحق الرد على عدو غادر. الوقوف مع سورية وشعبها وقيادتها موقف مبدأي إستراتيجي يتعلق بالوجود والبقاء في ظل هجوم أميركي شامل إستغل في هذه المرحلة قطعان التكفيريين الذين أعاد إنتاجهم بتخطيط من إستخباراته في مصانع الموت السعودية القادمة إلينا من أسوأ ما في تاريخنا من رواسب وتجارب، مستغلا أبشع ما في النفس البشرية من غرائز عاطفية تتحول بالاعلام والتحريض والمساجد إلى هستيريا قتل جماعي بتبرير ديني خرافي كاذب.
ليس الوقوف مع سورية ضد الارهاب وضد الغزو الاطلسي موافقة او رضى بكل تفصيل من سياسات السلطة السورية محليا واقليميا ودوليا، بل العكس هو الصحيح فإن ما نفتخر به  بخصوص سورية الرسمية والشعبية هو الصلابة في مواجهة العدو سياسيا ومبدئيا وعدم التنازل بتاتا في كل الظروف ورغم كل الضعف العسكري الموضوعي عن حق الشعب السوري برفض الهيمنة الأميركية  ورفض التحول الى أردن أو أمارات أو قطر جديدة في خدمة الصهاينة إرضاء للأميركيين.
سورية لم تلتحق بركب الاستسلام طلبا لسلامة حاكمها وكان بإمكان الرئيس بشار الأسد أن يفعل ولم يفعل.
سورية التي يغضبنا عدم ردها على غارة إسرائيلية وثانية وثالثة وسابعة هي العاصمة  العربية الوحيدة المتمسكة  بالمقاومة وهي تتعرض للغارات والغزو والتدمير وهي التي تألمت وتألم شعبها في كل ثانية ولحظة منذ ست سنوات ومع ذلك لم تستسلم ولم ترفع الراية البيضاء.
هي سورية التي جاع شعبها وحوصر جيشها وقتلوا من اهلها مئات الالاف ودمروا مدنها باسلحة قيمتها مئة مليار دولار وصرفوا اموالا على انشاء جيوش الارهابيين تفوق ما صرفه الاميركيون على جيشهم الذي قاتل في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية بأسعار اليوم ولم تقبل بأن تفاوض على رأس حماس حين كانت في ديارها ولم تفاوض على رأس حزب الله حين كانت الاطاحة به ولا تزال معادلا للسلامة من غضب الاميركي وتمتعا بأمان في المنصب والنفس من غدر الاسرائيلي والروسي وهي دمشق التي لم ترفع الراية البيضاء حين دقت أبواب  عاصمتها الأقدام السوداء ولم ترفع الراية البيضاء حين هددها غزو أميركي مباشر وضغط روسي أشد وأقسى.
وهي سورية التي لا يملك طيرانها "الروسي الصنع" تقنيات التصويب بسبب قرار منع روسي ، وهي من تعاني من نقص معدات " تطيير" مروحياتها المقاتلة الروسية الصنع فلم تقدم موسكو لها ما تحتاج خوفا من اختلال ميزان القوى في مواجهة إسرائيل وطلبا لمكاسب روسية ، ليست حماية سورية بالمطلق  منها . فهدف روسيا كان ولا يزال  إستغلال سورية لحجز مكان لنفسها على الساحة الدولية و منع الأميركيين من غزو موسكو بالارهاب القادم من الشرق (في موسكو وحدها مليوني مسلم)
سورية التي لم ترد على الغارات الاسرائيلية هي التي لم تثنيها حرب عالمية ضدها عن الوقوف مع الحركات المقاومة في العام العربي  رغم انف الصهاينة والاميركيين والروس.
ربما يكون الرد على الغارة الاسرائيلية بصاروخ ثقيل يضرب مطاراً إنطلقت منه الطائرات الاسرائيلية هو ما يرضينا عاطفيا ولكن دمشق الصامتة عن الرد لضعف تقني ولحسابات قد لا نوافقها ولا ترضينا لكنها لا تنطلق من جبن أو قلة إدراك، بل هي قناعة قيادتها بعدم وجود مصلحة وعدم وجود قدرة على خوض حرب شاملة.
من  رفض الهيمنة الغربية بطل ، من رفض السير في ركاب الأميركيين بعد غزو العراق بطل، ومن لم يصبه االخوف من المواجهة سياسيا وأمنيا مع واشنطن عبر دعم المقاومة العراقية بشكل شبه علني بطل، ومن فتح الحدود لمن يريد قتال الأميركيين بطل، ومن فتح الحدود لتدفق السلاح العابر الى حزب الله والمقاومة الفلسطينية بطل، ومن فتح الاراضي السورية للمتدربين القادمين من الداخل الفلسطيني بطل.  لكن قبول السلطة السورية بعدم الرد على الصهاينة والتمسك بالهدنة ليس بطولة بل هو أمر مستنكر ومدان عاطفيا ومبدئيا ولكن صاحب القرار لا يتصرف بقلبه بل بعقله ووفقا للمعطيات المتوفرة لديه والتي بالتأكيد ليس من مهمته إطلاع الرأي العام عليها.
هل دمشق اضعف من بيروت؟
وهل الجيش السوري ضعيف فتتجرأ عليه تل ابيب التي تخشى القيام بأمر مماثل في بيروت؟
حسابات دمشق تختلف عن حسابات بيروت. لا يحتاج اللبناني لإرضاء الروس ولا لمراعاة الصينيين ولا لتقديم حكمته السياسية على عنفوانه الشخصي والوطني لحماية وجوده المادي المباشر كسلطة وشعب وبلد كما هو وضع السوري.
  صاحب الأمر في دمشق بحاجة لرسم سياساته بدقة تبلغ حد العمل على توريط الروس في حربه الخاصة على الارهاب لموازنة التورط الأميركي المباشر في الحرب على بلاده وعلى شخصه وحكمه والسعي في الآن عينه لمنع الروس من التحول الى قوة قهر في سورية لسلطتها وشعبها بالثبات على التعاون مع الايرانيين ومع الحلفاء العراقيين في تفاصيل السياسات الدولية المؤذية للروسي إن جنح لمحور التجارة مع التركي والأميركي في التفاصيل غير الاستراتيجية.
اللبناني لا يحتاج لاثبات قدرته على الردع فقد خاض حربين مباشرتين لتحقيق قوة ردعه قبل العام 2000 ثم هدفت  إسرائيل  الى الاخلال بتوازن الرعب مع جيشها وتجرأت  على خوض حرب تبديل شروط الردع في العام  2006  من ضمن أهدافها لعليا التي كان على  رأسها  سحق المقاومة ثم غزو سوية واسقاط سلطتها فجاءت نتيجة الحرب بشروط أشد قسوة لصالح حزب الله.
لتحقيق قوة ردع سورية ينبغي على دمشق  وجيشها خوض حرب شاملة مع الاسرائيليين . فهل الشعب والجيش والسلطة في سورية جاهزون لخوض حرب طاحنة مع اسرئيل حاليا؟
وهل الظروف مناسبة ؟
وهل موازين القوى الدولية ستقف في صف السلطة السورية؟
وهل سيبقى الروسي في موقف إيجابي مع السلطة السورية ضد الاميركيين ان مس بمسلمة تشكل نقطة التقاء روسية اميركية عميقة هي حماية أمن الدولة العبرية والحفاظ على تفوقها العسكري الساحق تقليديا؟
السياسة الدولية تحتاج لموازين قوى تتعامل معها دمشق ولا يحتاج إليها اللبناني ولا يعبيء بها دوما ومع ذلك لم يقم حزب الله بسحق الارهاب المتشكل في ميليشيات داخل العاصمة اللبنانية الا في ظروف اقليمية ودولية مناسبة له في السابع من أيار 2008.
و هي  الظروف التي لها شبيه في سورية يعاكس الرد السوري على تل أبيب.
السياسة الدولية اكثر تعقيدا من التصرف معها وفقا للعواطف والغضب، فهي التي تجعل ايران وتركيا من اشد الحلفاء اقتصاديا ومن اشد الاعداء في سورية. وهي السياسة التي تجعل من حزب الله المزود الرئيسي للمقاومة الفلسطينية بالسلاح السوري النوعي في حين ان حماس مثلا هي المزود الرئيسي لمن يقاتلون الجيش السوري بالمدربين النوعيين والانتحاريين المتطرفين.
وهي السياسة التي جعلت وزير خارجية سورية وليد المعلم عام 2011 يعلن تأييد بلاده لغزو السعوديين للبحرين اليتيمة.
من نجى ببلده بموازين دقيقة دقة جهاز تفجير في قنبلة نووية كيف يلام أن كان ضحية جبروت واشنطن وتل ابيب الذين يتعرضون له بغارات تدعم الارهاب علنا، وكيف نلوم ضحية لحليف دولي هو الروسي لا يشارك في دعمه مودة وحبا بل لتقاطع مصلحي محدد هو منع استيلاء الارهابيين على السلطة في سورية وحصرهم قبل تحولهم الى صاعق تفجير في قلب الأمن القومي الروسي (15 – 18 بالمئة من الشعب في الاتحاد الروسي هم من المسلمين وبينهم وهابيون لا يعدون ولا يحصون)
الملفت ليس صمت السلطة ولكن الملفت هو صمت الشعب عن الرد.
السلطة لديها حساباتها فهل للشعب حسابات؟
ما الذين يمنع تحول شعب سورية تحت الاحتلال التكفيري الى قوة مقاومة تقاتل اسرائيل والتكفيريين ولا تحمل الدولة نتائج عملها؟
الشعوب التي تريد المقاومة لا تستأذن سلطات بلادها ولا تطلب منها الأمر.
لماذا لا توجد مقاومة فعلة ضد داعش في الرقة وتدمر ؟ ولماذا لا يقاوم الشعب السوري في أدلب؟
فقد إجتاح الصهاينة لبنان لاسكات المقاومة الفلسطينية الى الأبد...وقبل نهاية الحرب واعلان الانتصار اسقط مواطن لبناني واحد كل مفاعيل الغزو من الفه إلى يائه...عبر ضرب صواريخ كاتيوشا من راشيا في نهاية حزيران 1982  (سوري قومي ودرزي طائفيا من فعلها ) الى كريات شمونة معلنا قبل نهاية الشهر الأول للغزو أن المقاومة مستمرة وان سقطت منظمة التحرير الفلسطينية.
وقبل نهاية  عام 1982 (خمسة اشهر بعد الغزو)  كان رجل من أهل الأرض بدعم من ثلاثة من اقرانه يسقطون الأمل الاسرائيلي بالفوز في حرب لبنان حين ضرب البطل احمد قصير مقر الحاكم العسكري للاحتلال في صور في 11/11/1982.
    
ففي صبيحة ذلك اليوم، قاد الشهيد سيارة مرسيدس مفخخة بأكثر من مئتي كيلوغرام من المواد المتفجرة واقتحم بها مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي لمنطقة صور، وللحظات.. لم يصدق كثيرون ما سمعوا، ولكن التفاصيل بدأت تتوالى، “لقد دمر المبنى المؤلف من 8 طوابق على من فيه”، قال أوري أور قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال واضاف “لقد كانت الصدمة الأولى والصدمة الأقوى للجيش الاسرائيلي في لبنان”.
المحصلة النهائية للعملية البطولية كانت 74 قتيلا و27 مفقودا وفق ما اعترف به الناطق العسكري الاسرائيلي، وظل اسم منفذ العملية مجهولا حتى 19 أيار 1985 عندما أعلنت المقاومة الاسلامية اسم أحمد قصير المنفذ للعملية الاستشهادية الأولى. ذاك شعب لبنان لا دولته فلماذا ينتظر شعب سوريا دولته ليمارس حق الرد؟.
الرد السوري الرسمي  يعني حربا مفتوحة مع اسرائيل برأي السلطة السورية وهي لا ترى الظرف ولا الزمان ولا المعطيات مناسبة للقيام به بالشكل المطلوب وهي مصرة اي السلطة على ان الصهاينة يعرفون بأنهم بعد كل غارة تلقوا ردا مناسبا  وإن لم يكن متماثلا.

لكن السؤال هو أين الرد الشعبي؟

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024