الأحد 2015-06-21 05:27:39 رأي
بين جنيف و بطرسبورغ معايده ملغومة

نتائج مؤتمر جنيف بخصوص اليمن، وما تم التوصل إليه من إطلاق بيان يعبر عن الفشل المؤقت، والمتعمّد من قبل الاطراف المشاركة تاركة اليمن الشقيق يواجه كتلة النار والحديد من دون مسعى جدي لإنهاء هذه المأساة التي أصابت قطراً عربياً عزيزاً علينا كما العراق وسوريا وليبيا.

كنا قد توسمنا خيراً من جنيف اليمن، أقله بالوصول لاتفاق يفضي لوقف لإطلاق النار أو حتى هدنة رمضانية تتيح لهذا الشعب الطيب بالتقاط الأنفاس ولملمة الجراح، 

إلا أن تصلّب المواقف الإقليمية، ومن خلفها الحسابات الدولية أدت للإخفاق في تحقيق أي خرق في هذا المجال واللجوء الى إعلان بيان الفشل. 

لا الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت ممارسة الضغط على حلفائها السعوديين للقبول بوقف لإطلاق النار خلال شهر رمضان المبارك، ولا روسيا أرادت أن تقنع إيران لتقنع بدورها أنصار الله بتقديم تنازلات للوصول إلى هدنه مؤقتة في اليمن، وهذا الأمر بالطبع ينسحب على سوريا والعراق وليبيا.

إذاً الاشتباك السياسي الدولي والإقليمي لا زال على أشده، أقطارنا العربية، وعن سبق اصرار وترصد، متروكة تسبح بالفوضى والاقتتال، لتواجه لعبة المصالح والأمم على حساب أمن واستقرار شعبنا العربي. الرابح الوحيد، عدو الأمة هو الكيان الصهيوني الغيور على مشاعر المسلمين في البلاد العربية مقدماً التهنئة بحلول شهر رمضان المبارك من خلال معايدة مسمومة وملغومه بُثت عبر الشاشة من رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، والمتحدث باسم جيش الدفاع الاسرائيلي أفيخاي أدرعي متمنياً للمسلمين بالوطن العربي صوماً مباركاً، وافطاراً شهياً.

أما حقيقية مغزى هذه المعايدة المسمومة، هي محاولة جدية لاختراق مجتمعنا العربي، وتلميع صورة إسرائيل صاحبة السجل الحافل بقتل الفلسطينيين وهدم منازلهم  ومصادرة أملاكهم وإتلاف واقتلاع أرزاقهم من أشجار الزيتون، ومنعهم من زراعة أراضيهم وتصدير منتجاتهم الزراعية، وممارسة الاعتقال التعسفي وبناء جدار الفصل العنصري. 

في ظاهر الرسالة الإسرائيلية معايدة ومباركة بالشهر الفضيل، أما في المضمون، فإن نتنياهو كان يقول للعرب موتوا بغيظكم  لقد حققنا هدفنا وحولنا عجزنا وانكسارنا إلى هزائم لكم، كما حولنا وجهة صواريخكم وطائراتكم عن إسرائيل لتكون أداة تقاتلون بها بعضكم بعضاً. أما إسرائيل، فتنعم بالراحة والطمأنينة، ويختتم المعايدة متمنياً للمسلمين في البلاد العربية صوماً مباركا وافطارا شهياً.

في حقيقة الأمر، فإن التمني الإسرائيلي الذي جاء على لسان نتانياهو وأفيخاي أدرعي للمسلمين في البلاد العربية هو القول للمسلمين العرب، نتمنى أن يكون صيامكم كله اقتتال، وإفطاركم على التكبير بذبح بعضكم بعضاً. بينما إسرائيل تتفرج عليكم وتتلذذ بسيل دمائكم. 

في ملف متصل بالمواقف الدولية المعلنة، بما يتعلق بدولنا العربية، فإن ما صرح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم في سان بطرسبورغ يدحض كل المانشيتات التي طالعتنا بها بعض الصحف وشاشات التلفزة ذات الاتجاه والانتماء الخليجي الأمريكي التي روجت لفكرة تخلي روسيا عن حليفها الاستراتيجي الرئيس السوري بشار الاسد وذلك فور انتهاء الزيارة التي قام بها مؤخراً وزير الخارجية الامريكي جون كيري لموسكو واجتماعه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

قالها الرئيس الروسي بوتين، وبكل وضوح، لن نطلب من الرئيس السوري بشار الاسد التنحي لأن الشعب السوري فقط له الحق الحصري باختيار من يمثله ويرأسه، وأردف الرئيس الروسي قائلاً: نحن ندعم الرئيس بشار الاسد لأن البديل سيكون تكرار السيناريو الليبي، وروسيا لا تريد تكرار ذاك المشهد، فالمحافظة على سوريا موحدة جيشاً ومؤسسات هو الطريق الأسلم والأصح.

اللافت أن هذه التصريحات للرئيس الروسي بوتين تزامنت مع زيارة ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان لموسكو والبحث بإمكانية واستعداد السعودية لإبرام اتفاقات عده ذات طابع اقتصادي تكنولوجي وحتى عسكري، مختتماً زيارته لروسيا بلقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سان بطرسبورغ.

ما قاله فلاديمير بوتين يؤكد متانة الموقف الروسي الداعم للرئيس بشار الاسد ولسوريا قاطعا الطريق أمام اللغط والتشكيك الذي تناولته بعض المرجعيات والصحف والشاشات عن حقيقة الموقف الروسي من سوريا، كما أن بوتين بهذا الموقف الواضح يؤكد أن روسيا لن تقدم المصالح والاغراءات الاقتصادية الضخمة على مصالحها الاستراتيجية مع سوريا بشار الأسد، وأن روسيا ثابتة على موقفها ونظرتها، خصوصاً لجهة محاربة كل أشكال الارهاب الذي يضرب المنطقة، وأن على الغرب وحلفائه من العرب أن يدركوا حقيقة هذا الأمر. هذا إذا كان الغرب فعلاً يريد وضع قطار الحل السياسي على السكة الصحيحة، وإذا صحت المعلومات التي تحدثت عن نية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز زيارة موسكو والتباحث مع الرئيس الروسي بإمكانية رفع أسعار النفط واتمام صفقات السلاح التي ابرمت مع السعودية وصفقة السلاح التي ابرمت بين روسيا ومصر على ان تتولى السعودية تسديد الاموال اللازمة لإتمام الصفقات.

تجدر الإشارة، أن كل ذلك تم إبان حقبة الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز وما لبثت أن جمدت الصفقات بين روسيا والسعودية وبين روسيا ومصر فور تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في السعودية، فاذا تمت الزيارة بنجاح نكون قد بدأنا تلمّس سكة الحل المنتظر، وإلى حين ذلك، تبقى كل الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالفوضى، التي نعيش ونشهد فصولها البشعة في اقطارنا العربية لم تتوصل بعد الى اتفاق حول قسمة الحصص والنفوذ والمصالح بما يؤدي إلى بلورة موقف موحد للخروج من أزمات المنطقة.

وبانتظار ولادة هذا الاتفاق، وتحديد اطر النظام الجديد للدول المعنية، دولية كانت أم إقليمية، فإن الفوضى والاقتتال الدامي وحرب الكر والفر التي تضرب بلادنا العربية ستبقى مستمرة، لا بل ستكون العنوان الأبرز الذي يتقدم اخبار بلادنا، فيما تغيب فلسطين وتُغيّب آلامها، التي لم نعد نتتبع اخبارها لا بالعناوين ولا بالتفاصيل.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024