0 2022-02-27 22:59:26 عربي ودولي
ما وراء العملية العسكرية الروسية الخاطفة.. و"النظيفة"!
ما وراء العملية العسكرية الروسية الخاطفة.. و"النظيفة"!

لعملية الخاطفة للقوات المسلحة الروسية التي تبدت من خلال اليوم الأول للعملية في أوكرانيا أظهرت وصفة سحرية تتبعها روسيا هي أنظمة التحكم الآلي.

يُسجل للجيش الروسي أنه نجح في القيام بواحدة من أسرع العمليات العسكرية "النظيفة" في تاريخ الحروب. وصلت القوات الروسية والحليفة لها إلى مشارف كييف في أقل من 24 ساعة بناءً لتخطيط تم التجهيز له لمدة 7 سنوات!

المباني السكنية والمنشآت المدنية لا تتعرض للقصف. تم استهداف البنية التحتية العسكرية والأمنية الأوكرانية الموالية للغرب منذ الساعة الأولى. ويسيطر الروس تباعاً على المنشآت الحيوية كالمواقع النووية أو القواعد العسكرية بعمليات دقيقة من دون الاضطرار إلى الاشتباك في أحيان كثيرة مع جنود أوكرانيين يفضلون الاستسلام من دون مقاومة.

لا حاجة لترقب الساعات المقبلة لمعرفة أن الولايات المتحدة تركز في جهودها الحالية على 3 أهداف:

-  ضمان انتقال حكومة أوكرانية "مخلوعة" إلى المنفى.

-  تأمين عملية نزوح من يرغب من الأوكرانيين إلى بولندا.

-  تفعيل مجموعات أمنية للعمل في العمق الأوكراني "المحتل".

ولكن ما هي الوصفة السحرية التي اتبعها الجيش الروسي في عمليته الخاطفة، والتي لم ترق حتى اللحظة إلى مستوى حرب واسعة، حتى اقتنع الأميركيون بأن الوقت قد نفذ لإنقاذ السلطة الأوكرانية؟

طوال السنوات الماضية، أحرز الجيش الروسي تقدماً واسعاً في تطوير مفهوم أنظمة التحكم الآلي؛ أي إنشاء نسختها الخاصة من القيادة والسيطرة في البر والبحر والجو والفضاء الإلكتروني بالاعتماد على الذكاء الصناعي.

بكلمات أخرى، تقود روسيا الحرب بواسطة منظومة شبه مؤتمتة تدير كافة عمليات جمع ومعالجة وتخزين وتسليم المعلومات اللازم لتحقيق القيادة والسيطرة على القوات والأسلحة والميدان.

يُعد مفهوم أنظمة التحكم الآلي حديثاً في العلوم العسكرية، وإن كانت النظرية منتشرة منذ عقود. يعتمد هذا المفهوم على الربط الرقمي بين أسلحة الجو من طائرات قتالية ولوجستية، والبحر من سفن حربية وغواصات، والبر من مشاة ومدفعية بهدف السماح لأي من هذه المكونات بضرب هدف مباشرة عند توافر أفضل المعطيات. فإذا تعرضت طائرة روسية مقاتلة لإطلاق نيران في طريقها لقصف موقع رادار أوكراني، فإن مدفعية بعيدة المدى أو طائرة من دون طيار أو صاروخ كاليبر من غواصة ستلجأ فوراً إلى استهداف موقع إطلاق النيران على الطائرة الروسية، من دون أن يضطر قائد عسكري روسي إلى تحديد الخيار الأفضل للتعامل مع حادثة تعرض الطائرة الحربية الروسية لإطلاق نار في الأصل!

تتطلب هذه العملية ضمان دفق معلوماتي سلس وتحليل البيانات بسرعة فائقة، وهنا يأتي دور الذكاء الصناعي أو بشكل أدق الخوارزميات الرياضية.

في العام 2019، حاكى الروس هجوماً ينفذه حلف شمال الأطلسي (الناتو) على شبه جزيرة القرم، واختبر الجيش الروسي خلال تلك المحاكاة منظومة (اس 400) ومنظومة (بانتسير اس) بهدف إسقاط عشرات صواريخ "كروز" كانت في طريقها لاستهداف إحدى منظومات الدفاع الجوي الروسية.

اعتماد نظام التحكم الآلي في قيادة الحرب يفسر سبب عدم سقوط إصابات مدنية واسعة في صفوف الأوكرانيين.

بالمناسبة اختبر الروسي هذه التجربة في سوريا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، خاصة بين قوات المدفعية والصواريخ، باعتبار أن سوريا توفر بيئة معلومات متكاملة ومثالية للاختبار، في ظل "زحمة" القوات الأجنبية المنتشرة على أراضيها.

هذا النوع من الحروب الحديثة يُطلق عليه اسم "الحرب المركزية النظيفة"، كونها تقدم تطويرات هامة على المستوى الاستراتيجي للاتصالات؛ العنصر الأهم في قيادة الجيوش.

ولعلّ ما ردع الناتو والأميركيين عن الذهاب بعيداً في المواقف أو التفكير بالمواجهة العسكرية هو معرفتهم بأن نجاح الجيش الروسي في تطبيق نظام التحكم الآلي يعني عملياً أن الأسلحة النووية الروسية محمية بشكل فعال، وليس باستطاعة أي جهة المغامرة بإخراج هذا السلاح الرادع من المعادلة، لأن أي ضربة أولى لروسيا ستعني ببساطة الاستهداف المباشر لمصدر النيران ومن ثم نقل زمام المبادرة إلى يد بوتين.

هذا تحديداً ما قصده الرئيس الروسي بتصريحه العالي النبرة بالأمس عن رد غير مسبوق على أي تدخل خارجي.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024