الأربعاء 2015-07-22 21:53:06 تحليل سياسي
استراتيجية القيصر بوتين تعيد الأعتبار لمعادلات القوة التاريخية

مع انهيار الأتحاد السوفيتي كان واضحاً أن ذلك ايذاناً بإعلان نظام عالمي جديد يقوم على الهيمنة الأمريكي على العالم بالأستعانة بالمؤسسات الدولية السياسية والأقتصادية والثقافية, حيث عملت الولايات المتحدة على العمل على صياغة هذا النظام وفق المعايير الأمريكية حيث سيطرت على أاقتصاديات دول العالم انطلاقاً من القيام بعمليات أصلاح أقتصادية لهذه الدول بإشراف البنك الدولي الذي عمل على تدمير هذه الاقتصاديات بسياسة ممنهج هادفة إلى  ربطه بالاقتصاد الأمريكي, وبالنفس الطريقة كانت مؤسسات الأمم المتحدة اداة لإصدار القرارات السياسية التي تحاصر الدول التي تعترض على الهيمنة الأمريكية وتدمير أي قوى ناشئة تحاول الأعتراض على ذلك.

كانت روسية أحدى ضحايا سياسات الولايات المتحدة حيث كانت الولايات المتحدة تدرك أن روسية تملك كل المقومات لتكون دولة عظمى قادرة على تحدي هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية لذلك جهدت في إرهاق الاقتصاد الروسي وإدخاله في صراعات الهوية الثقافية تمهيداً لتفتيته كقضية الشيشان وإرهاق الاقتصاد الروسي بخدمة الدين لصالح المؤسسات الاقتصادية العالمية وإنتاج طبقة سياسية مرتبطة فكرياً وسياسياً بالولايات المتحدة الأمريكية  كرئيس يلتسين وغرباتشوف.

رغم كل ذلك لم تستطع الولايات المتحدة تدمير الدولة العميقة الروسية التي حملت داخلها النزعة القومية الروسية والروح الوطنية الاستقلالية التي تجلت فيما بعد بإيصال الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين منذ بداية القرن الواحد والعشرين والذي مثل في سياسته روح روسية المجيدة, ومن اللحظة التي وصل لها بدأ العمل على بناء مؤسسات الدولة الروسية السياسية والاقتصادية وخصوصا في اعادة أدارة موارد الدولة الروسية بطريقة أعادة العافية للاقتصاد الروسي والدخول إلى النظام الاقتصادي كدولة قوية تتقن شروط لعبة الاقتصاد الدولية انعكست سريعا على تعافي الاقتصاد الروسي .

كل ذلك ترافق مع اعادة الاعتبار للثقافة الروسية و الروح الوطنية الروسية مما أدى إلى التفاف أغلب مكونات الشعب الروسي ومراكز القوى في الدولة الروسية حول مشروع بوتين الذي تلخص في استعادة مكانة روسية القيصرية العالمية وإعادة بناء  روسية العظمى, مع استكمال الاصلاحات السياسية والاقتصادية  اللازمة وتمكن الاقتصاد الروسي من الخروج من كبوته الاقتصادية واستعادت القدرات العسكرية للجيش الروسي وبناء نظام سياسي متماسك يعكس الأرادة والروح الوطنية الروسية.

انطلق بوتين لإعادة صياغة نظام عالمي جديد معتمدا على حالة التذمر لدى مختلف دول العالم من طريقة إدارة الولايات المتحدة لشؤون العالم, فكان ذلك أساسا لأنطلاق تحالف جديد هو البريكس بدأ اقتصادياً واخذ يعمل الآن بناء مؤسسات قادرة أن تكون بديلاً لمؤسسات الدولية وخصوصا في الاقتصاد والتي تسيطر الولايات المتحدة من خلاله على الاقتصاد العالمي مثل البنك الدولي حيث أن  منظمة البريكس تضم أهم دول العالم خارج الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وتتوزع على مختلف أنحاء العالم مما يمنحه الشرعية السياسية اللازمة والقدرة على أن تكون فاعلة في مختلف القضايا العالمية.

 يدرك بوتين أن اقتصاد الولايات المتحدة والدول الأوربية الداعمة لها هو الاقتصاد الأقوى ولكن اقتصاديات دول البريكس هي اقتصاديات واعدة وقادرة مع استمرار الإصلاحات فيها على السيطرة على الاقتصاد العالمي وخصوصا أن الصين أحد مكونات البر يكس تتقدم إلى الأمام للزيادة حجم مساهماته في الاقتصاد العالمي ولتحتل المراتب الأولى على حساب حلفاء الولايات المتحدة الألمان واليابان.

 ولا تخرج منظمة شنغهاي عن هذه الإستراتيجية رغم أن هذه المنظمة تحمل في عمق تأسيسها القضية الأمنية وخصوصا أنها تضم دول اسية الوسطى التي يمكن أن تشكل خطر على الروس والصينيين من خلال استغلال الولايات المتحدة الامريكية لحالة الطفرة الإسلامية الإرهابية التي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية استغلالها بتجذير الفكر الديني الإرهابي في تلك المناطق من خلال استخدام مواطنيها كأدوات للحرب في سورية والعراق وبعد تدمير تلك البلدان والسيطرة عليها, يتم نقل هؤلاء فيما بعد لتلك المناطق ليتحولوا لرأس حربه لمحاربة الصينيين والروس  والعمل على إدخالهم في صراعات عرقية ودينية, وبنفس الوقت تشكل   منظمة الشنغهاي استعادة لطريق الحرير الذي سيطر على الاقتصاد العالمي القديم لفترة طويلة.

من خلال ذلك  نرى أن القيصر بوتين يستفيد من قراءة التاريخ بشكل جيد ويعمل على  استعادة معادلات القوى الطبيعية الجغرافية القديمة التي حكمت العالم لفترات طويلة والتي هي وحدها القادرة على مواجهة الهيمنة الامريكية التي عملت على خلق معادلات قوى جديدة جعلت العالم القديم تاريخيا يدار من قبل العالم الجديد, كل ذلك يظهر سبب حجم وشراسة هذه المعركة التي انفجرت في قلب العالم القديم في سورية والعراق والذي تدرك كل القوى الصاعدة بقيادة بوتين ان نتائج هذه المعركة ستنعكس على أعادة بناء النظام العالمي الجديد الذي يعيد الاعتبار لنظام عالمي متعدد الأقطاب.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024