الخميس 2015-07-30 07:29:03 تحليل سياسي
وتبقى سوريا مركز الجاذبية

رسائل عدة ميدانية وسياسية من مصدر واحد، لكن في اتجاهات مختلفة، هبت على المنطقة مؤخراً تشير الى أن المنطقة والعالم بدأ الإعداد لمرحلة جديدة لتكون سوريا المحور الأساس. إسرائيل تُغِير على سيارة في مدينة حضر القريبة من الحدود السورية مع فلسطين، إسرائيل تشن غارة جوية على منطقة قوسايا القريبة من الحدود السورية مع لبنان، إسرائيل تحاول فرض واقع جديد بإنشاء حزام أمني في الجنوب السوري على غرار الشريط الأمني الذي كان قائما في جنوب لبنان إبان الاحتلال الإسرائيلي بهدف الحؤول دون تقدم الجيش العربي السوري والمقاومة لضرب جبهة النصرة وأحرار الشام. إسرائيل أيضاً وأيضاً أغارت على الموقع الاستراتيجي والداعم لحرب الزبداني باعثة برسالة مفادها ممنوع سقوط مدينة الزبداني. تركيا بدورها وتحت عنوان مزيف (محاربة الإرهاب) تحاول أيضاً فرض واقع جديد في الشمال السوري يقوم على إقامة منطقة آمنة أو عازلة على غرار ما تقوم به إسرائيل في الجنوب السوري. إسرائيل وتركيا، ومن خلفهما الولايات المتحدة وحلف الناتو بتشجيع وبتمويل من بعض الدول العربية، يستعجلون إنشاء واقع جغرافي وعسكري جديد تمهيداً لامتلاك أوراق سياسية أو لفرض واقع سياسي متزامناً مع التقرير الذي قدمه ديميستورا ممثل الامين العام للأمم المتحدة في سوريا والضغط على روسيا لإقصائها عن فكرة عقد مؤتمر موسكو 3 للمكونات السورية قبل الذهاب الى جنيف 3 ، لكن ديميستورا أردف متمنياً أن لا يعقد جنيف 3 لأنه من الصعب التوافق على مفهوم الامم المتحدة وتفسيرها لجنيف 3 بسبب غياب التوافق بين الدول المعنية على مقررات جنيف 1. الملاحظ أن كل هذا الحراك العسكري الإسرائيلي التركي، إضافة لتقارير ومبادرات سياسيه تأتي عقب إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ضرورة قيام تحالف جديد مؤلف من سوريا والسعودية والأردن وتركيا لمحاربة الإرهاب، ذلك بعد الفشل الذريع الذي مُني به تحالف جدة الدولي المؤلف من أكثر من عشرة دول لمحاربة إرهاب داعش، من هنا نكتشف أن الحاصل في الجنوب والشمال السوري هو محاولة إفشال المسعى الروسي خصوصاً بعد تسريب أنباء عن اجتماع أمني رفيع المستوى بين الجانب السوري والجانب السعودي وحصول مثل هذا الاجتماع في أحد الدول الاوروبيه للتنسيق بملف محاربة الإرهاب. على الرغم من النفي من قبل بعض الرسميين بأن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل البته، إلا أن الرئيس الروسي، بما عرف عنه من دقه في التوصيف وإطلاق الكلمات المحددة في أي حديث رسمي أو عبر إطلاق مبادرة من هذا النوع، تعني بأن بوتين لا يمكن ليضع اسمه وسمعته وسمعة روسيا لمجرد اطلاق مبادرة من هذا النوع من دون امتلاكه معطيات جدية وقبول من قبل تلك الدول الأربع اضافة لإيران للقيام بمثل هذا التعاون الأمني، وبهذا تكون كل من إسرائيل وتركيا قد أصبحتا خارج تأثير مركز الجاذبية السوري. سكرتير الأمن القومي الروسي (يفغيني لوكيانوف) عقب زيارة ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو، صرح قائلاً ليصلي زعماء الخليج العربي والعالم من أجل بقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد. إذاً في المحصلة، نستنتج أن التسابق لطرح مبادرات جاء بعد إتمام الاتفاق الغربي الإيراني بشأن الملف النووي الإيراني وانتزاع إيران اعتراف رسمي ودولي ببرنامجها النووي السلمي وبدورها الإقليمي بحل الملفات العالقة من العراق واليمن وخصوصا سورياً. أوروبا بدأت بتنفيذ مقولة إلى ايران در، وأمريكا تدعو إلى فتح صفحة جديدة وتاريخية بالعلاقات مع إيران، وإنهاء حالة العداء التي دامت أكثر من 35 عاماً، إضافة إلى معظم الدول العربية المرحبة بهذا الاتفاق، وفي مقدمها الحليف الاستراتيجي سوريا. الكل بدأ يركض نحو الكعكة الإيرانية، وأعداء الأمس باتو يتهافتون على السجاد النووي الإيراني، فقط إسرائيل وتركيا وبعض دول الخليج العربي ستحاول عرقلة مثل هذا الاتفاق التاريخي وعبر الأراضي السورية بالتحديد. لم يكتمل عقد التوافق على أنواع أو حجم الحصص فيما بعد إبرام الاتفاق النووي الإيراني، ولا مقررات جدية للبحث بأي مبادرة سياسية ممكن أن يُبنَى عليها في المستقبل بانتظار اكتمال وتحديد المكافآت التي ستجنيها الدول المعنية بأزمات المنطقة، لاسيما كل من إسرائيل وتركيا والسعودية، مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح الروسية الأمريكية الأوروبية الإيرانية، تبقى سوريا مركز الجاذبية والمنطلق والأرضية الصلبة للبحث عن حلول سياسية وتحقيق الأمن ومحاربة هذا الإرهاب الذي بُلينا به. اولى المكافآت لإسرائيل الإعلان عن نية الولايات المتحدة الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد الذي اعتبر من أهم وأخطر الاشخاص الذين شكلوا تهديدا مباشراً للأمن القومي الأمريكي من خلال التجسس على الصناعات التكنولوجية العسكرية الأمريكية ومع ذلك سيفرج عنه كجائزة ترضيه لإسرائيل ولنتنياهو شخصياً. تونس أعادت العمل بسفارتها بدمشق، الإمارات العربية ستعاود فتح سفارتها في دمشق خلال وقت قريب. أمريكا ودول أوروبية، إيطاليا النمسا ألمانيا وفرنسا طلبت من السلطات السورية إعادة فتح القسم القنصلي بدمشق. التسويات والمناخات الجديدة أطلت برأسها، وهناك رياح جديدة بدأت تهب على المنطقة، والجميع بدأ بالتسابق على تعزيز مكتسباته ونفوذه وقدراته، وإعادة تصحيح الحسابات الخاطئة. وإلى أن تتم هذه الدورة، الكل يحتاج الى وقت بالإضافة إلى تحصين المواقع والمكاسب العسكرية لترجمتها سياسياً وإلى أن تكتمل هذه الدورة، تبقى سوريا مركز الجاذبية الجديد، كما يبقى الميدان العسكري صاحب الكلمة الفصل، أقله في المدى المتوسط.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024