الأحد 2015-08-08 17:12:37 تحليل سياسي
هجرة قسرية أم فرصة مؤاتية

طارق عجيب لسيريانديز سياسي
كل يوم تصلنا أخبار المهاجرين السوريين الذين وصلوا إلى بلد أوروبي ما ، كل مهاجر يقصد بلداً معيناً بناءاً على ما دخل في ذهنه من معلومات جعلته يتخذ هذا القرار ويحدد هذا المقصد .
تختلف الروايات التي تصل إلى مسامعنا ، غالبيتها معاناة وخطر وتعرض للاعتداء أو التشليح وغيرها من " شر الطريق " ، والبعض منهم " تيَّسرت " أموره بحيث لم يمر بكل ما سبق لأسباب مالية مرتفعة القيمة ، ومنهم من لم تمنحهم الحياة فرصة سرد قصصهم ، فابتلعهم الطريق بحراً كان أم براً ، لكن تمسي كل تلك الحكايات ماضٍ سوف يرويه المهاجرون " الأوائل " لأبنائهم الذين لابد أنه سيكون لها وقعاً خفيفاً عليهم بعد بضع سنين ، وفي ظل ظروف مختلفة كل الاختلاف عما في ذاكرتهم من ظروف بلدهم الذي هاجروا منه ويسعى غالبيتهم لمحوها من ذاكرته .
تمر سوريا بأزمة وكارثة صُنِّفَت على أنها من أسوأ كوارث التاريخ الحديث ،دفعت بالملايين / حسب إحصاءات المؤسسات التي يطيب للكثير من المهاجرين وطالبي الهجرة تصديقها والبناء عليها / من المواطنين إلى البحث عن أماكن أكثر أمناً وفيها ما يحتاجونه من أساسيات ومتطلبات حرمتهم الحرب الدائرة منها ، لذلك نرى في كلٍ من لبنان وتركيا والأردن ما يزيد عن المليون ونصف لاجئ /كحد أدنى وفق إحصائيات نفس المؤسسات السابقة / ، ودون أن ندخل في تفاصيل هذا اللجوء ومبرراته وضروراته وكونه خياراً وحيداً أو صحيحاً أو بريئاً ، سنتجه باتجاه من قرر الهجرة إلى بلاد الغرب بما فيها بلاد العم سام وغيرها من البلاد التي تفصلنا عنها ألاف كثيرة من الكيلومترات .
قبل الخوض فيما سيأتي لا بد من توضيح أن فكرة الهجرة لهذه البلدان بغض النظر عن سبب الهجرة ، هي بحد ذاتها خطوة أنا أراها في الاتجاه الصحيح ، لأن العيش في تلك البلاد وفق قوانينها وثقافتها وبنيتها الصحيحة التي تنشأ عليها الأجيال القادمة من المؤكد أنه سيكون له أفضل التأثير على من سيعيش هناك وعلى الأجيال المتتالية ، رغم أن هناك جزءاً بسيطاً سيبقى متمسكاً بإرثه الجاهل لأكثر من جيل ، لكن في النهاية سيكون هناك انعكاساً إيجابياً على سوريا ومجتمعها ومستقبلها بعد أن تتلاقى الأجيال القادمة وتحتك وتتعايش فيما بينها لتنتج أثراً إيجابياً بما هو كفيل بنقل المجتمعات إلى الأمام بدل سحبها إلى الخلف ، ومن هنا يكون للهجرة نتائج وتأثير نهضوي على البلد الأم في المقبل من الايام ، وهو شيء لا يمكن إنكاره .
وبنظرة سريعة إلى المهاجرين الذين وصلوا إلى تلك البلاد سنجد أن غالبيتهم ليسوا من أولئك الذين فرضت عليهم الحرب الخروج بالإكراه وتحت تهديد الموت بالقصف أو بالسيف أو تحت تهديد بانتهاك الكرامات والأعراض أو أي تهديد أخر لا يمكن مواجهته إلا بالخروج والبحث عن أماكن أمنة تنجيهم من هذه التهديدات ، سنجد أن غالبية من وصلوا إلى بلاد الهجرة هم ممن كان لهم أكثر من خيار وإن كانت تلك الخيارات أقل من خيار الهجرة ، إلا أن خيار الهجرة إلى أوروبا هو خيار " الفرصة المؤاتية " التي كانت صعبة المنال قبل الأزمة في سوريا ، والذين استفادوا منها هم في غالبيتهم لا تنطبق عليهم حقيقة شروط الجوء ، حيث ان اللجوء يمنح على اساس القصة التي يرويها طالب اللجوء ، وهنا يجب التوقف عند تلك القصص ومدى صدقيتها وصحتها .
من المؤكد أن هناك مئات الألاف من القصص التي يستحق من عاشها أن يمنح اللجوء وكل ما من شأنه التخفيف عنه ، وتأمين كل ما يحتاجه من ظروف حياة ومستلزمات عيش وبقاء  ، لكن ما هي نسبة هؤلاء/ وقد وصل منهم أعداد لا بأس بها /  من عدد الذين وصلوا إلى أوروبا ، وخلقوا حالة ضاغطة بات الغرب يشكوا منها  رغم مسؤوليته فيها  .
الصورة التي يمكن الحديث عنها لنسبة كبيرة / لا يمكن تحديدها / للمهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا وحصلوا على اللجوء ، هي أنها انتهاز لفرصة مؤاتية لمن كان يرغب بالذهاب إلى أوروبا والإقامة فيها ، وهي الأن تأتيهم مع شروط وظروف وتسهيلات اللجوء التي يمنحها الغرب ، لذلك نجد أن قسماً لا بأس به من السوريين انتقلوا من بلاد اغتراب إلى بلاد اللجوء ، ومن بلدهم سوريا بالطيارة أو عبر رحلات منسقة " من الباب للباب "  إلى بلاد اللجوء .
أنا لا أنتقد أو أتهم أو أعترض على ما فعلوه لكن أريد التوقف عند نقطة واحدة فقط وهي خيبة الأمل من أولئك الذين خرجوا دون وجه حق في اللجوء ، وبتنسيق وترتيب مسبق للرحلة التي ستنقله إلى بلاد الهجرة دون دوافع وضرورات حقيقية ، ودون أن يكون خيار الهجرة إلى أوروبا هو الخيار الوحيد الذي ينقذ حياته وعائلته ، ودون أن يكون هناك عداء أو خلاف بينه وبين أي جهة حكومية أو معارضة ، أو دون وجود تهديد أو ملاحقة من الجهتين السابقتين أيضاً ، والذين ألقوا بانتمائهم وهويتهم السورية ، وبدأوا يسيئون للوطن بمعانيه الحقيقية المنفصلة عن قيادته وزعمائه وأحزابه وميلشياته وتنظيماته الإرهابية ومجموعاته المسلحة والمعتدلة ، والذين رأوا أنهم وصلوا إلى الجنة بأبوابها السبعة ، وأصبحوا لا يفكرون بالبلد إلا كتاريخ غير محمودٍ لهم ، أولئك الذين سجدوا / وإن معنوياً / ليقبلوا أرضهم الجديدة ، وأولئك الذين لا يريدون أن يشبهوا الوطن أو يشبههم ، أولئك الذين تخلوا عن جذورهم وإرثهم الحضاري وتاريخهم وأجدادهم تحت ذريعة نظام فاسد أو إرهاب قاتل أو حرب ظالمة ، رغم أن كل ما سبق عانت منه بلدان كثيرة ولسنوات طويلة إلا أن أبنائها وإن اضطروا للهجرة أو النزوح أو الغياب لم يتخلوا عنها بل كانوا يضعونها وساماً على صدورهم أينما رحلوا .
كيف سنلتقي بهم بعد حينٍ من الزمن مهما طال أو قصر ، كيف ستلتقي عيوننا ، وكيف سنصافحهم بجنسيتهم الجديدة حين يعودون إلى سوريا ليستذكروا ذكرياتهم التي باعوها عند أول موطئ قدم لهم في الغربة .
سيعودون ليتحدثوا إلينا بلغاتهم الجديدة ، ويشرحون لنا معاناتهم في الغربة ، وحجم اشتياقهم للبلد ، هذا البلد الذي أسهموا بشكل أو بأخر فيما يجري له الأن .طارق عجيب لسيريانديز سياسي

 

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024