الأربعاء 2015-08-12 23:10:06 تحليل سياسي
التسوية السياسية .. والحلقة الضائعة؟

الجميع يتحدث اليوم عن ضرورة إنهاء حالة التوتر والعداء التي سادت المنطقة والعالم خلال السنوات الخمس الماضية، وكانت نتائجها كماً هائلا من الدمار والخراب والقتل وأنهاراً من الدماء سالت في شوارع يُفترض أن تملأها روائح الياسمين والخبز، وأصبح وقت إنجاز تسوية سياسية متكاملة تطال جميع الملفات العالقة بين دول المنطقة من جهة وبينها وبين الدول الأخرى أقرب إلى الواقع، كما يقر أغلب المتابعين والمحللين لمشاكل المنطقة بأن الأزمة السورية احتلت الموقع الأهم بين تلك الملفات الشائكة، وقد بينت مجريات الحرب التي فُرضت على سورية، أن حالة العداء التي ظهرت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب الاستعماري وعملائها في المنطقة تجاه سورية هي بالأساس عداء للدولة الوطنية المستقلة في قرارها واستراتيجيتها، كما أنها رفض للمستوى البنيوي المتين الذي ميّز المجتمع السوري التعددي العلماني التقدمي، وإن هذه الحرب تهدف بالدرجة الأولى إلى ضرب قوة التماسك العقائدي والفكر القومي الذي تحلّى به الجيش العربي السوري وتبناه كثقافة تُحصنه في مقاومته ضد الأعداء من أي جهة كانت وفي المقام الأول مواجهة الكيان الصهيوني وأطماعه التوسعية العنصرية، وقد جاءت الحرب على سورية متكاملة وشاملة من الناحية الاقتصادية والفكرية والعسكرية من أجل تغيير مصير العالم انطلاقاً من لحظة القضاء على الدولة السورية ومؤسساتها المدنية والعسكرية وتدمير البنى التحتية لسورية، وكانت الحرب في أولى حلقاتها تنطلق من إنشاء ودعم التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي تعمل على أيديولوجية مخالفة تماماً للفكر التقدمي في سورية برعاية من مملكة الرمال الوهابية.
   لقد اعترف العالم بكل أطيافه وألوانه بأن صمود سورية الدولة والشعب والجيش أمام هذه الهجمة الشرسة، غيّر الخارطة الجيوسياسية المستقبلية للمنطقة والعالم، ولأن سياسات العالم تُبنى على المصالح وليس على الآمال والأوهام، فإن الجيش العربي السوري وحلفاءه في المقاومة أثبتوا أنهم لاعبون دوليون بامتياز في المعادلات العسكرية الدولية من الصعب على أية جهة مهما كانت قوتها تجاهل دورهم في معركة الوجود، وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب الدولي العابر للحدود، وبالتالي استطاعت سورية بفضل رؤيتها الثاقبة لمستقبل العالم رسم خارطة المنطقة الجديدة، ووضعت أسس حمايتها من نار الإرهاب التي باتت تُهدد الجميع دون استثناء بعد ان تمكنت التنظيمات الإرهابية من السيطرة على مناطق واسعة من سورية العراق وجعلت منها منطلقاً باتجاه الدول الأخرى، وإن تسارع الأحداث وترافقها مع حركة دبلوماسية نشطة في سبيل إيجاد قواسم مشتركة لإطلاق تسوية شاملة على مساحة المنطقة، وسحب فتيل المعركة التي تسعى لإشعالها حكومة الكيان الصهيوني المستفيد الوحيد من إطالة الحرب وتمكين العصابات الإرهابية في الأماكن التي استولوا عليها لتأمين مصالحها الأمنية وفرض التكتيك الذي يخدم أهدافها في المنطقة عبر هذه التنظيمات الإجرامية  وخاصة "داعش، وجبهة النصرة وغيرهما"، نجد أن نظام آل سعود يستمر في دفن رأسه في الرمال وهو يجتر كلاماً أصبح من الماضي، بدل أن يتحسس ضراوة النار التي تقترب من خيامه الهشة، وكأنه غير قادر على قراءة التاريخ، بل يؤكد من جديد وعلى لسان وزير خارجيته من موسكو بأنه خارج التاريخ بكل ما للكلمة من معنى.
   يرى البروفيسور الأمريكي في القانون الدولي "فرانكين لامب" إن هناك تغييراً رئيسياً في الموقف الغربي حيال سورية.. مبيناً إلى أن البيت الأبيض الأمريكي حالياً يعدُّ نفسه لبقاء النظام في سورية. وان سبب التغيير ليس فقط تنظيم داعش، وإنما إدراكه أنه كان مُخطئاً في حساباته تجاه سورية.."، لكن ما تقوم به الإدارة الأمريكية من تصريحات وأفعال وتحريض لعملائها على الأرض توحي بعكس ذلك تماماً، حيث أنها لم تزل تُمارس ازدواجية المعايير بإطلاق الطروحات المختلفة والمتناقضة والمعرقلة لتحريك الحل السياسي المنشود نحو الأمام، في الوقت الذي تسعى فيه لتغيير مواقفها نجد أنها ما زالت تتجاهل قرارات مجلس الأمن الدولي ذوات الأرقام 2170 – 2178 – 2199  التي تخص مكافحة الإرهاب وتجريم مموليه وداعميه من الدول والجماعات والأفراد، وبالرغم مما أصاب كل من السعودية وتركيا من شظايا الإرهاب، نجد أنهما ما زالتا تسهلا حركة الإرهاب وتدعمانه بكل الوسائل وتدفعاه باتجاه سورية، بالتنسيق والتشاور مع الولايات المتحدة الأمريكية بكل تأكيد، وهنا تكمن الحلقة المفرغة التي ترغب الإدارة الأمريكية الإبقاء عليها من أجل التنصل من التزاماتها القانونية والأخلاقية في مكافحة الإرهاب وعدم اعترافها بحتمية التحالف والتنسيق مع الدولة السورية وجيشها الوطني للقضاء على التنظيمات الإرهابية من جهة، والاستمرار في استثمار مخاوف العربان الوهمية من إيران العدو الافتراضي الجديد، وبالتالي تنظيم المزيد من عقود السلاح الحديث مع الولايات المتحدة والغرب عموماً.
  مهما تناغمت الأصوات النشاز، ومهما تعالت صيحات الخوار، المعركة في سورية مستمرة حتى تحقيق النصر المظفر على الإرهاب والقضاء على آخر مجرم يحمل السلاح في وجه الدولة، وإن التسويات المطروحة خارج إطار هذه المعركة هي مجرد مضيعة للوقت وإعطاء التنظيمات الإرهابية عمر أطول، ومجال أكبر للانتشار والتوسع نحو مناطق جديدة خارج الحدود السورية والعراقية، والحلقة الأضعف في هذه الأجندة هما تركيا والسعودية، الهدف القادم لداعش وأخواتها، وإن غداً لناظره قريب؟؟  
محمد عبد الكريم مصطفى – خاص سيريانديز

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024