الخميس 2015-10-01 07:43:36 شباب في السياسة
الهجرة .. بين عواطف العرب ومصالح الغرب .. أيهما أصح؟

الاستفادة القصوى مما يحصل الآن بما يتماشى و مصالحنا.. ذلك منطلق أية سياسة يمكن أن تنتهجها أي دولة أوروبية اليوم بمعزل عن الإنسانية ومكارم الأخلاق وأبيات الغزل، الأمر الذي يبدو واضحاً بملف اللجوء أكثر من غيره، قد لا يروق هذا الكلام للبعض، لنتفق أن لا نختبئ وراء أصبعنا، فوراء القرارات والمواقف مصالح تخلو تماماً في حقيقتها من المشاهد الرومانسية حتى وإن بدت هذه الرومانسية في ظاهرها، فماذا تفيد أوروبا وعلى رأسها ألمانيا من هذا الملف؟ وما الحاجة لإدخال الآلاف و إنفاق الملايين؟ سيكون من المفيد أخذ ألمانيا نموذجاً للحديث في هذا الشأن لاسيما بعد ما تربعت على عرش الدول الأوروبية باستقبالها للمهاجرين إلى أن علت بعض الأصوات تمتدحها ب " منقذة شرف أوروبا "، بالوقت الذي اندفع فيه بعض العرب متسرعين كعادتهم لأخذ المستشارة ميركل مثالاً يُحتذى به في الإنسانية البحتة المنزهة عن الغرض.
تقول الإحصاءات الحكومية في ألمانيا بأن نسبة المواطنين الألمان القادرين على الإنتاج سوف تنخفض من 60% إلى 50%، وتبين دراسات أن ألمانيا ستعيش ازدياداً بعدد المتقاعدين ب 6 ملايين شخص، بينما ستتراجع اليد العاملة بمقدار 5 ملايين، مراقبون يتنبئون بمجتمع ألماني كهلاً لا محالة بسبب انخفاض نسبة الشباب والارتفاع الملحوظ بنسبة كبار السن، في تسعينات القرن الماضي كان يوجد مقابل كل شخص تجاوز ال 60 ما يقارب 4 أشخاص بالغين واليوم هم فقط 2.2 من البالغين وفي العقد القادم ستنخفض ل 2 فقط، مؤسسة ألمانيا تتوقع نقصاً ب 1.8 مليون شخص في 2020 في كل القطاعات و 3.9 ملايين ما لم يطرأ تغييرات، إنها دراسات يمكن وصفها بالدقيقة كانت قد نُشرت ويتم تناقلها.
تجد ألمانيا نفسها أمام فرصة لا بد من الاستفادة منها، ذلك ما لم نبالغ ونقول أن جزءا مما حملها على اتخاذ مواقفها السياسية اتجاه الحرب على سوريا أو غيرها كان لهذا السبب، فليس بعد الحرب إلا الهجرة و اللجوء.. فلتشتعل الحروب إذاً! ربما الأمر كذلك حتى و إن كان احتماله ضئيلاً !.. كل الدراسات أنفة الذكر تشي بكارثة ولا بد من تخفيف أثر المشكلة الواقعة أصلاً، اقتصاد قوي وأموال بينما اليد العاملة عجوز، والجدير ذكره أن الاقتصاد الألماني قادر على تحمل هذه الأعباء كونه الاقتصاد المحلي الأكبر في أوروبا و المصدر الأول في العالم، ثم لو قارنا المصاريف بالأرباح سيصبح حديثنا عن التكلفة هراء لا قيمة له، فمقابل بضعة ملايين تكسب آلاف اليد العاملة المنتجة للمليارات، آلاف من العائلات ستدخل الأسواق تحركها بالاستهلاك، إنه استثمار ناجح يمكن رؤيته بنظرة سطحية جدا وبسيطة وبدون أدنى تعمق أو تفصيل، وهو ما يجعل صوت الأوساط التي نددت أو تخوفت من فتح باب الهجرة في الداخل الألماني والأوروبي بشكل عام صوتاً منخفضاً يكاد يكون غير مسموع، المشروع على ما يبدو رابح حداً يدفع للمغامرة حتى و لو وصل لوسط أوروبا بعض المتطرفين والذين سبق لهم الاشتراك بأعمال إرهابية في دول أخرى! هنا اعترف بعجزي عن الوصول للعواطف الأوربية المزعومة بين كل هذا الازدحام المادي! الجميع مستفيد حتى الأسواق التي يمر بها المهاجر في طريقه لبلد اللجوء تشهد واحدة من ليالي القدر وأولهم تركيا مركز الانطلاق المزدحم بالمُهاجرين والمحرك الأول لهذا الملف انتقاماً من القارة العجوز بحسب ما يرى البعض، استفادة الجميع و زد عليها كثيراً من الأبعاد السياسية هي التي تدفع بأوروبا لإيجاد سبل وخطط لاستيعاب اللاجئين وتسريع دخولهم في سوق العمل بدلاً من إيجاد الحلول لإنهاء الحروب والأزمات في مناطقهم والتي كان لتلك الدول يداً في استعارها أو على الأقل في استمرارها، هذا كله ناهيك عن الغايات الأبعد والمتعلقة بانشغال العربي عن معتقداته وانفكاكه شيئاً فشيئاً عن قضاياه، الأمر الذي قل ما يهتم به العربي اليوم بعد أن رأى من الأشقاء ما رأى، ولعله محق في ذلك.
حبذا لو تنتهي الحروب والأزمات في هذا العالم، نقول العالم وليس سورية وحسب وذلك لان ملف الهجرة ليس سورياً كما يصوره الإعلام ويستثمر في الأمر ليل نهار، 10% فقط ممن يصلون أوروبا سوريون هذا إذا صحت آخر الأخبار.. حبذا لو تنتهي هذه الكوارث حول العالم، فحديثنا عن الهجرة يعني الحديث عن خسارة يصعب تعويضها، شباب وكفاءات وشهادات تكلفت عليها دول المُهاجر ما تكلفت لتخسرها حين جد الجد وحان وقت الاستفادة منها، تستحق دولنا أفضل من ذلك وستنتهي الحروب يوماً، حينها كيف لنا أن نقنع من هاجر بالعودة بعد أن تم إغراقه بالقروض والديون؟.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024