الجمعة 2015-11-06 11:34:22 شباب في السياسة
بين اللجوء والضغط

 لقد عرفت أوروبا منذ عشرات السنين أشكالاً كثيرة من الهجرة الغير شرعية إلى أراضيها التي كانت تشق طريقها عبر البحر المتوسط إلى تلك القارة العجوز عبر المضائق "كمضيق جبل طارق في المغرب" أو من ليبيا وغيرها. كان يصدر هؤلاء المهاجرين الغير شرعيين إلى أوروبا عبر البلدان العربية في الجزء الشمالي من القارة الأفريقية إلى كل من إيطاليا وإسبانيا كونهم الأقرب على شواطئها فكانت الأشهر في (التهريب) , في هذه الأثناء كانت تركيا تحاول جاهدة الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي وتعد نفسها وشعبها بهذا الحلم بعيد المنال ولكن كل ما كانت تتلقاه هو الوعود ولكن الرفض كان سيد الموقف على أرض الواقع. حتى بداية الأحداث التي سميت بالربيع العربي واحتدام الأمور في الساحة السورية, فانقلبت تركيا على جارتها سوريا وراحت تقدم الخدمات لذلك الإتحاد وللولايات المتحدة الأمريكية حليفته, عبر تقديم حدودها الجنوبية كمعبر للجهاديين المتطرفين لمحاربة الجيش العربي السوري والجيش العراقي حالمة بإسقاط الحجر الأساس " الأسد " فتحصل على مكافئتها بكرسي ونجمه ولكن مع كل تلك الخدمات بقي الرفض مسيطراً وبات إسقاط الرئيس الأسد أيضاً حلم بعيد المنال بعيداً أكثر من احتمالية قبولها في الإتحاد الأوروبي فأضحى كابوساً بدلاً من حلم وخاصة بعد وقوف المعسكر الشرقي كاملاً بقيادة روسيا خلفه. بدأت تركيا تحاول البحث عن بديل, الخدمات لم تعد تفي بالغرض, حان وقت الإرضاخ والضغط حان وقت استعمال اوراق الضغط الوعود لم تعد تنجب آمالا حان وقت فتح الحدود الغربية أيضاً فالجنوبية لم تعطي النتائج المرجوة منها, ومع الضجة الإعلامية راحت تركيا تصدر ألاف المهاجرين غير الشرعيين من الشرق (سوريا ,العراق ,اليمن ,أفغانستان ,إيران فلسطين وغيرها) عبر أراضيها إلى البلدان الأوروبية سكتت اليونان عن الأمر ولو أنها عبرت عن استيائها بعض الشيء فرب ضارة نافعة, إن هذا التصرف ساهم في تحريك اقتصادها المنهار عبر تقديم المهاجرين المارين من أراضيها الأموال للعبور رفضته بعد البلدان من البداية وأعلنت رفضها التام لدخول " اللاجئين " أراضيها فهوجمت إعلامياً فرحبت به كل من ألمانيا والسويد اللتين تحولتا إلى المقصد الأساسي للمهاجرين لعلهم أبروا بهم خيراً كاليونان. حتى بدأت علامات الخطر تظهر وبدأت الدول الأوروبية تصحو من ثباتها وطمعها, فمنها من أنقذت نفسها منذ البداية ومنها من غرق في هذا المستنقع , مستنقع يحمل في أمواجه الأحلام والآمال كما يحمل الحقد والكره والتطرف والجهل. أصبحت تلك البلدان تطالب تركيا بإنهاء تلك المهزلة أو المساهمة في وقفها ولكن لم يحقق المزارع التركي مبتغاه بعد ولم يحين وقت نضوج ثماره ليقتطفها, فلم تتوقف تركيا عن إرسالهم فبدأت الدول الأوروبية تخفف من وتيرة كلامها الموجه لتركيا وبدأت الاجتماعات حتى خرجت رئيسة الوزراء الألمانية "إنجيلا ميركل" مؤخراً لتعلن عن دعمها لقبول تركيا في الإتحاد الأوروبي مقابل مساهمة تركيا في توقف المهاجرين الغير الشرعيين إلى اراضي الإتحاد ولتسافر بعدها بأيام لتقابل الرئيس التركي حاملة هذا الملف معها. بداً التركي يشعر باقتراب موعد الحصاد وبدأ ينال مرابح ضغطه وظهرت المكاسب التركية على الطاولة : 1- رضوخ الإتحاد الأوروبي لمتطلبات تركيا بالانضمام إليه 2- ازدياد عدد الجاليات المسلمة في أوروبا الذين سوف يقومون مستقبلاً بدورهم في الضغط على حكومات البلدان التي استقبلتهم لقبول بلد مسلم في الإتحاد . فلم يعد اللاجئين والمهاجرين الغير شرعيين وحدهم يبحرون إلى أوروبا .. فتركيا اليوم صنعت منهم قارباً متيناً لتبحر فيه أيضاً نحو الإتحاد الأوروبي .. فورقة اللاجئين التي يتربع على عرشها السوريين اليوم لم تعد ذات مقصد إنساني بل غدت ورقة تركيا الضاغطة في وجه الرفض الغربي, فهم اليوم يقعون بين أمواج اللجوء والضغط.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024