الأحد 2015-11-22 13:19:10 شباب في السياسة
ثورة فكرية واحدة

سيريانديز سياسي ــ جرجي عبد الله زيتون

لعل المشكلة العربية اليوم في كل من سوريا والعراق وغيرها ليست بالإسلام كدين سماوي حاله من حال المسيحية واليهودية بل هي بالفكر الإسلامي المتطرف الذي ورثه شريحة واسعة من المسلمين عبر أهاليهم وعبر المنابر والمراكز التي وجدت أساساً لزرع وترسيخ هذا الجهل فيهم كي تستخدمه لاحقاً لمصالحها الشخصية, فساعدتهم الحكومات المتتالية عبر الترخيص والسماح لهم بالعمل دون أي رقابة أو تشديد وبممارسة أعمالهم بحرية تامة موهومين على أنهم مؤسسات دينية تدعو إلى المحبة والإيمان, كما تساعدها بالتغني والشكر الدائم لأمجاد الدول الإسلامية القديمة التي استطاعت مد نفوذها إلى أرجاء كبيرة من الأرض لعلها فكرة تدعي إلى الافتخار ولكن ما حدث لاحقاً أصبح المشكلة الأساسية عندما ورث أراضي الدولة الإسلامية دويلات تحت ستار إسلامي كان القتال والصراع فيها سيد الموقف فلم تعد تحمل أية معنى من معان الدين الإسلامي بل أضحت تشبه الممالك والإمبراطوريات الأوروبية التي تقاتلت أيضاً تحت ستار الدين المسيحي والبركة الإلهية في السابق, فضاع الدين فيها ولكن بقي التغني بها عند العرب قائماً بل ودخلت في مناهجهم المدرسية في كتب التاريخ وغيرها حيث ترسخ "مجدها" في عقل كل طالب, وإن هذا الطالب في النهاية مجرد طفل والطفل لا يعد مفكراً بل مقلداً, يقلد كل المبادئ والأفكار التي ربي عليها مما ادى الى ظهور مجموعات عربية متطرفة تحاول إقامة نظام خلافة جديد على غرار الدول التي ظهرت عقب الإسلام التي على عكس الدولة التي أنشئها رسول الإسلام محمد دعت الى "الإسلام" بالسيف لا بالكلمة تحت شعار أسلم تسلم, وسيطرت على معظم المسلمين لفترت طويلة من الزمن وخلقت صراعات طائفية وإسلامية لازالت قائمة حتى يومنا هذا, السبب الأول لظهور هؤلاء الشباب اليوم هو (التغني بتلك الفترات من التاريخ) فمن الأموية إلى العباسية ماراً بالإمارات التي نشأت في ظلها كان اللون الأحمر اللون الأحمر لون الدماء السيد وليس الدين, ويبقى السؤال عند العرب اليوم: لماذا حصلنا على الأمجاد في الماضي وفقدناها اليوم حتى أوشكت على الضياع في المستقبل؟ أما أوروبا فلازالت تحافظ على معظمها؟ لقد عرفت أوروبا الصراعات الطائفية بدورها والستار المسيحي من أجل تحقيق مصالح وسيطرت الكنيسة على الشارع وعلى ملوك تلك الحقبة, حتى قامت الثورة الفكرية وانتهى عهد سيطرتها وبدأ زمان العقل وقامت ثورات صناعية وبفضل هذا استطاعت القارة العجوز ضمان استمرار مجدها لا وبل نهضت به أكثر وحققت التقدم والثراء واحتلال أراضي العالم وإخضاعها لسيطرتها وخرج الدين فيها من الحياة السياسية بشكل تام أو شبه تام. حدث كل هذا قبل قرابة 300 عام حيث كان حكام الإمارات العربية في وقتها لازالوا يزجون بشعوبهم في صراعات نفوذهم لا دينهم, قانعين إياهم بالجهاد المقدس وغيره حتى سقط آخر خليفة مع سقوط الخليفة العثماني, وتأسست فيها النظم الجمهورية والملكية بعد فترة وجيزة من الزمن, ولكن لم يتحرر المسلمون من سيطرة فئات من رجال الدين والمتأسلمين فتحولت من سلطة مباشرة إلى اخرى غير مباشرة وبقي الكثيرون حتى اليوم يدورون في مكانهم دون إحراز أي تقدم, المتقدم الوحيد عندهم هو عقارب الساعة فقط عقارب الساعة التي تقدم في رأيه أوان ظهور الدولة الإسلامية من جديد كما يحلم وكما وعد من قبل من سيطر على عقله. كانت ولا تزال الفكر الدينية الأنسب للسيطرة على عقول الشعوب في كل الأديان, ولكن بسبب التجربة الأوروبية استطاعت تثقيف شعوبها بقدر يستطيع كبح جماح الدين فأن الأوان لأن تكبح الحكومات جماح تلك الجماعات وتثقيف شعوبها لتستطيع النهوض بثورة فكرية جديدة على غرار تلك التي قامت في القرنين الـ17 والـ 18 في أوروبا, لتستطيع الحد من سيطرة رجال الدين وأفكارهم الفاسدة على شعوبها, آن أوان ظهور العقل العربي المبدع المتحرر من كامل قيوده, الأخلاق والاعتدال هي التي يجب علينا زراعتها في عقول أطفالنا وليس أفكار فاسدة وأمجاداً حمراء, فلعل المشكلة اليوم هي من ينادي بحل سريع والحل يوجد في طيات تاريخ دول نرفض التعلم منها بل فقط نحب أن نقلدها. فإن الخطر الذي نتعرض له اليوم ممثلاً بالإرهاب الجهادي هو يتجذّر أساساً من أخطائنا الشخصية التعظيمية ومن رجال دين باعوا شرفهم ودينهم وراحوا يحاولون السيطرة على غيرهم في سبيل تحقيق رغباتهم فباتوا المصنع الأول للإرهاب, فالثورة الفكرية بمثابة جهاد مقدس اليوم للمساهمة في إنقاذ اسم الدين الإسلامي منهم كما أنها ستنقذ الأجيال القادمة من ويلات ما نتعرض إليه اليوم وما تعرضنا إليه في تاريخنا. فكيف لأمم أن تنهض وهي تحرم تدريس الفلسفة في بلادها ؟

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024