0 2016-08-08 07:29:41 رأي
قراءة هادئة في الميدان الحلبي

أحمد رفعت يوسف:

ما أكتبه ليس محاولة لتبرير ما حدث في حلب وإنما قراءة هادئة وموضوعية لأن معركة حلب هي من نوع المعارك الفاصلة التي يترتب عليها نتائج جيوسياسية هائلة والرابح فيها سيأخذ كل شيء والخاسر سيدفع الثمن باهظاً ولذلك فخوض مثل هذه المعارك يحتاج عملاً وتخطيطاً بعقل بارد وليس برؤوس حامية ولا بالعواطف.
فجيشنا أمام معركة من أشرس ما عرف التاريخ من المعارك وأمام عدو لا يجيد سوى ثقافة الموت والقتل والدمار ولا قيمة عنده للحياة وللإنسان وهذا العدو قوي ومدعوم بكل أنواع الدعم مالياً وتسليحياً ولوجستياً من حلف العدوان ومغطى سياسياً حتى في المؤسسات الأممية.
في معركة حلب التي حشدت لها العصابات الإرهابية ومن وراءها كل ما يمكنها لخوض معركة ليس فقط لفك الحصار عن المسلحين داخل أحياءها وإنما للسيطرة على حلب كلها ولذلك رأينا موجات من الهجمات التي تبدأ بمفخخات وانغماسيين وجحافل من الرعاع.
في الهجمة الأخيرة والتي كانت الأشرس وبعدما تمكن الإرهابيون من فتح ثغرات في سور مجمع الكليات بواسطة المفخخات التي تمكنت من الوصول إلى الأسوار وجد جيشنا نفسه أمام معركة خطيرة سيتعرض فيها للاستنزاف وتكلفه خسائر فادحة في الأرواح خاصة وأن الطيران والمدفعية تصبح عاجزة عن العمل في مثل هذه المعركة لأن الاشتباك يكون في ساحة واحدة ووجهاً لوجه وهذا أخطر ما يمكن أن يتعرض له الجيش.
وسط هذا الوضع كان خيار الانسحاب من مجمع الكليات هو الخيار الأسهل لأنه يحقق عدة اهداف دفعة واحدة.
ـ المحافظة على أرواح عناصر الجيش وتوفير مئات الشهداء.
ـ سحب المسلحين وتجميعهم في مكان مكشوف ومعزول عن المدنيين ومدروس جيداً من الناحية العسكرية مما يسمح للطيران والمدفعية والدبابات بالعمل بحرية.
ـ عزل المسلحين وقطع خطوط الإمداد عنهم وضرب التجمعات والأرتال التي تحاول إمدادهم.
وبهذا الشكل قلب الجيش المعادلة فبدلاً من تعرضه لحرب استنزاف مكلفة جداً جر المسلحين إلى هذه الحرب حيث استطاع احتواء الهجوم وجر آلاف المسلحين إلى ساحات مكشوفة ومعزولة وبدأ بتوجيه ضربات مميتة وقاصمة لهم داخل مجمع الكليات.
كما تمكن من سحب آلاف آخرين من المسلحين من الذين زج بهم مشغليهم لإمداد المشاركين في معركة حلب وتم سحبهم من ريف حلب وإدلب وحمص وحماه وريف اللاذقية وحتى من دمشق بحيث تم تفريغ أماكن كثيرة لخوض معركة حلب مما مكن الجيش من ضرب هذه الخطوط وأرتال الإمداد.
وبهذا الشكل أمتلك الجيش وحلفائه زمام المبادرة وبدؤوا بتوجيه ضربات قاصمة للمسلحين بأسلحة الطيران والصواريخ والمدفعية والدبابات موقعين فيهم خسائر كبيرة جداً بدون أن يتكلف أي خسائر تذكر باستثناء الأبنية التي يتحصن فيها المسلحون في مجمع الكليات والتي لا تساوي شيئاً أمام الأرواح.
وقد اعترفت تنسيقيات المسلحين بسقوط اكثر من ألف قتيل فيما الوقائع تؤكد أن العدد اكبر من ذلك لأن طلعات الطيران لم تتوقف منذ تلك اللحظة على مدار الساعة ويقاس الزمن أحياناً بين الطلعة والأخرى بالدقائق إضافة إلى سلاح الصواريخ والمدفعية التي دكت تجمعات وأرتال الإرهابيين مع الإشارة إلى أن كل قتيل يقابله جريحين على الأقل يصبحان خارج المعركة.
ومع هذه التطورات يتوقع أن يتم استنزاف الجيش للمسلحين لفترة يحددها القادة الميدانيون لتشهد بعدها معركة حلب تطورات مهمة جداً في هذه المعركة الفاصلة وسيؤكد امتلاك الجيش السوري زمام المبادرة وبأن ما بعد معركة حلب غير ما قبلها.
كما ان معركة حلب ستكون ذات تأثير مباشر على كافة الجبهات الأخرى بعد تفريغها من المسلحين الذين تم زجهم في جبهة حلب وهو ما سيسهل على الجيش خوض هذه المعارك وخاصة في إدلب وريفي حماه واللاذقية و "إن غداً لناظره قريب".

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024