الجمعة 2015-07-10 09:53:00 شباب في السياسة
الفكر السلطوي في الوطن العربي

بقاء الفكر السلطوي في الوطن العربي إلى حد الآن له أساس اجتماعي في المقام الأول، لأننا ما نزال إلى حد الآن نعيش في دوامة الانتماءات وأخص بالتحديد النواة الأضيق، ما بعد الاسرة، وهي القبلية والعشائرية والتي باعتقادي هي أساس أي انتماء.    

 أعرف أن الكثير سيتفاجأ للوهلة الاولى وسيعارضني الرأي، لكن لو راقبنا تصرفات مجتمعاتنا وعاداتهم وتقاليدهم سنجدها لم تتغير إلا بعناوين تناسب روح العصر.

 هذا ما فعلناه وطبقناه على الأديان التي نعتنقها مما أصبح يترآى للناس أن العادات والتقاليد هي الدين، وأن الدين هو العادات والتقاليد، وهذا الخلط الحاصل أوقع الكثير من الضحايا وأولهم الدين نفسه.  

إن تقبل الناس لفكرة السلطةـ إذا لم يترافق مع حامل مقنع وملزم، فإنه لا معنى له وستسقط فكرة السلطة قبل ان تطبق. فكيف لك أن تسوق لفكرة السلطة في مجتمع مثل المجتمع العربي؟

إن المجتمع العربي عاطفي للغاية، وينساق وراء خطابات تشبع رغباته والنقص الموجود لديه، لذلك نرى أنفسنا دائما على حق أن ما نفعله هو مطلب الشعب العربي. أنا لا أرمي باللوم الكلي على هذا الشعب لكنه يتحمل جزءً مما يحصل.   

الخطابات التي يأتي بها حكامنا العرب لم تأتي عن عبث أو بمحض الصدفة، وإنما عن دراسة معمقة للواقع العربي.  لو عدنا الى ما قبل الدولة العثمانية كان دائما النزوع إلى الانتماء الديني في ظل دولة إسلامية كانت غاية أي مجتمع في الوطن العربي آنذاك، وما أبقانا تحت حكم الدولة العثمانية هو ذلك الرابط وليس قوة الدولة العثمانية وحدها. وحتى دول المغرب العربي ممن كانوا خارج سيطرة هذه الدولة كانوا في ظل سلطة دينية.  مع انهيار الدولة العثمانية وظهور بلدان ودول القوميات ومعاناتنا كوطن عربي مغلق عليه من جميع النواحي، ذهبنا إلى المطالبة بانتمائنا القومي والوحدة العربية.  في ظل التجزئة الذي يعيشها الوطن العربي أصبح كل مشروع حاكم عربي ليصل الى السلطة يجب عليه أن يمهد لسلطته بخطابات تمتص ثورة الشباب العربي لكن بنفس الوقت تثير حماسته، تجذب عاطفته وتشبع رغباته الانتمائية، وكأن هؤلاء الشباب كانوا ينتظرون ذاك الحاكم ليسمعوا منه ذاك الكلام.   

لكن عندما مل الشعب العربي خطابات الوحدة العربية والقومية أصبحوا يذهبون الى الانتماءات الأضيق فالأضيق، دون اغفال دور الغرب في ذلك، لكن بنسبة أقل ليعيد الغرب إفراز الانتماء الديني بين طوائف الدين الواحد وإفراز القومية من جديد لكن ليس على أساس عربي وانما على أساس المكونات التي تعيش في الوطن العربي.

الجدير بالذكر، هو تصنيف الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري الخطابات العربية الى أربعة أصناف :    "1- الخطاب النهضوي الذي يتعامل أساسا مع الأسئلة المتعلقة بأسباب تخلف التنمية وبشروط النهضة في الوطن العربي وبالمشكلة الخاصة بالأصالة والمعاصرة.    

 2- الخطاب السياسي الذي يتعامل مع مشكلة الدين والدولة ومع مسألة الديمقراطية.

 3- الخطاب القومي الذي يتعامل مع مسائل الوحدة العربية والاشتراكية وتحرير فلسطين.

4-الخطاب الفلسفي الذي يختص بتوطيد جذور الماضي وبالدعوة الى فلسفة عربية معاصرة."

أما ما سأضيفه الى كل تلك الخطابات هو الخطاب الديني الناتج عن فشل كل تلك الخطابات وطريقة التعامل مع الشعب العربي وظهور حقيقة أصحاب كل تلك الخطابات .

لكي لا نرمي باللوم الكامل على شبابنا وانسياقهم وراء هكذا خطابات فالحكام يتحملون الجزء والجزء الأكبر من اللوم، بالإضافة الى مجتمعاتنا المتقوقعة على نفسها. أما السؤال الذي يطرح نفسه :

لماذا فكرة السلطة في الوطن العربي دائما ما يجب أن ترتبط بفكرة تشرع تلك السلطة وتثبتها على الرغم من أن العصر الحجري قد انتهى منذ فترة قصيرة ؟

أخيراً، يؤسفني القول أن العثمانيين أغلقونا على العالم لكن الراديكالية أباحتنا للعالم.

 

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024