الأربعاء 2019-01-09 04:22:39 رأي
الاتكــــاء علـــى الدولـــــة
الاتكــــاء علـــى الدولـــــة

د. عبد اللطيف عمران
َمنعَ لم يأ ت من فراغ ضعف انعكاس أثر تقدّم العلوم االجتماعية على ة
:
المجتمع، والدولة، والحكومة في األقطار العربية التي تتعرض كلها سوية
ألصعب اختبار في تاريخها الحديث والمعاصر، فالتزال هناك ضبابية في
تحديد مفهوم كل منها بسبب ما يجابه العلوم االجتماعية في واقعنا من
»أعراض العقلية المتخلفة« والتي طالما تم صرف النظر عن تشخيصها
ومعالجتها، بسبب انشغال النخب السياسية والفكرية باللحاق المتس ّرع بركب
أوهام الحداثة والعولمة واقتصاد السوق... إلخ.
ما يلفت النظر في هذا السياق تركيز الرئيس األسد في حديثه باألمس مع وفد
تركيزا اتحاد المحامين العرب،
مكررا في لقاءات عديدة، والسيما مع
المنظمات واألحزاب والنقابات، على االهتمام بالمجتمع الذي تتهدده »أخطار
محاوالت طمس الهوية وضرب ثقافة االنتماء لدى الشعب العربي من أجل
مؤكدا إضعافه وزعزعة إيمانه بقضاياه وبإمكاناته في الدفاع عن حقوقه«،
سيادته على دور المنظمات واالتحادات الشعبية في صون المجتمعات
وتوعيتها.
ال شك في أهمية هذا التركيز، وفي ضرورته. وحين إمعان النظر فيه
واستلهامه تتداعى إلى الذهن، وتتوالد فيه أسئلة رديفة عن دور الدولة من جهة،
والحكومة من جهة ثانية في هذه المهام.
وفي الواقع فإن الدولة القطرية العربية تعاني من إخفاق تاريخي معاصر في
النهوض بهذه المهام، اقترن هذا اإلخفاق بإخفاق الحكومات، والمجتمعات حتى
وصلت الحال إلى ما نحن فيه كشعب عربي، وكأقطار أيضا . ولهذا مظاهر
وأسباب، منها:
 استمرار الخلط بين واجبات الفرد وحقوقه بين قطاعات الشعب، ما نجم عنه
تفكير أغلبية األفراد بالحقوق، قبل الواجبات، بل على حسابها، ولذلك تسود
في اللقاءات مع المسؤولين في الحكومة والحزب الطروحات المطلبية كظاهرة
صارت تاريخية، ويكون المسؤولون في أغلب األحيان في حرج من رد
حقوقا فحسب، بل المطالب »الحقوق« بالتوعية بالواجبات، فالمواطنة ليست
هي واجبات وطنية أوال تصدر عن وعي، ويبدو أن هذا الفهم بحاجة إلى توعية
لم يفلح بعض هؤالء المسؤولين في توضيحها وإقناع الناس بضرورتها.
ُنى الفوقية
> ألسباب عديدة لم توفّق الحكومات بإقناع المجتمع أن َمنَعة الب
ُنى التحتية »الخدمات«، ولطالما
»الوعي وااللتزام« أساس نجاح تشييد الب
شعر المسؤول بنفسه مرتبكا أمام مطالبة الكوادر بمسؤوليتهم الفردية عن تنفيذ
الخطط وتحسين اإلنتاج وزيادته ومكافحة الهدر والفساد والخلل اإلداري... ما
دفع األفراد إلى الظن أن هكذا أمور ليست من واجبهم، بل هي محصورة
باإلدارة الحكومية التي هي محط شك في أغلب األحيان..، ما يضعف الحالة
الوطنية.
> تقادم الزمن الذي اعتبر فيه في كثير من األحيان مفهوم الدولة في المجتمعات
م وذلك لعدة أسباب، منها: خلط مفهوم الدولة العربية غير محترم وغير هاب،
ُ
»الوطن« بمفهوم الحكومة. ومنها تطاول السنين التي عانت منها المجتمعات
العربية من االستعمار القديم والحديث والجديد، وأثر هذه المعاناة على مفهوم
الدولة حتى شاع ترداد »شعرة من ذيل الخنزير مكسب«.
> األثر السلبي لغياب نسق فكري استراتيجي في العلوم السياسية واالجتماعية،
في التربية والتعليم يؤسس ألهمية مفهوم الدولة الوطنية، فغلب تعّود الناس
على »دولة الرعاية« واستمر تأكيدهم على الرعاية على حساب المبادرات
وطنيا ما انعكس سلبا على َمنَعة الدولة والمجتمع الفردية واالجتماعية الفاعلة ،
معا وعلى تحقيق المشروع الوطني المنشود. ،
مع اإلشارة إلى أسباب إعالء المفكرين أمثال هوبز وهيغل من شأن الدولة،
وبالمقابل إعالن أمثال جون لوك، وروسو، وغرامشي من شأن المجتمع
المدني.
هذا بمجمله أدى إلى خلل في الدولة، وفي المجتمع ظهرت مؤشراته، ثم
منعكساته الخطيرة على الدول والشعوب سويّة في أوروبا الشرقية، والدول
العربية، وأمريكا الجنوبية.
ب معه على الحكومة، أي حكومة، تنفيذ
ُ
ومثل هذا الخلل إذا استمر يصع
برامجها الوطنية التي من شروط نجاحها وجود وعي جمعي واجتماعي
مقترن، بل مستند إلى شعور بـ »هوية وطنية جامعة ومو ّحدة«، بعيدا عن
االنتماءات اله ّشة التي تطاول الزمن على هشاشتها بسبب التركة المثقلة لتراث
يعج بـ »القراءات المريضة«، وبسبب االستهداف المستدام من الخارج.
في هكذا واقع ال يكون االستئناس بتجارب الدول األخرى، وال تغيير األشخاص
مجديا للدولة وللمجتمع، ألن التغيير المنشود هو في المستمر في الحكومة
الذهنية، وفي السلوك، وفي عدم االتكاء الشديد للحكومة وللمجتمع على الدولة،
فمفهوم الدولة مأزوم في العالم الحديث.
َم الدولة مسؤولية الشعب بمنظماته ونقاباته وأحزابه وحدها؟ وهل فهل نعة
هذه
ال واردة في برامج الحكومة التي طالما أثقلها الشعور بأنها نتاج »دولة َمنعة
طوعا على الرعاية« التي يتطلع إليها المهّمشون، أو الذين يضعون أنفسهم
الهامش؟.
وال ضير في أن تكون العالقة والمصالح عضوية وجدلية في آن واحد بين
الدولة، والشعب، والحكومة من حيث الحرية وااللتزام، و من حيث الحقوق
والواجبات. فبناء المجتمعات القوية والحديثة التي تعزز الدولة يتطلب مثل هذه
العالقة.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع سيريانديز سياسة © 2024