نعم روسيا و منذ بداية الحرب على سورية ، قدمت جميع المساعدات الممكنة الإنسانية و غير الإنسانية ، و سخرت جميع الإمكانيات المتاحة لإيجاد حلول للأزمة المستعصية التي تعصف بمختلف مقومات ومكونات المجتمع السوري ، و وضعت بعض خبرائها العسكريين في خدمة الجيش السوري ، لتعريفه باستخدام الأسلحة الروسية التي ترسلها وفق عقود قديمة موقعة بين الطرفين ، و لم يتوقف دعم الإتحاد الروسي عند هذا الحد ، فجاءت أزمة اللاجئين السوريين لتقض مضجع الدبلوماسيين الروس وعلى أعلى المستويات ، على الرغم من أن الغرب (المسبب الرئيس لهذه الأزمة) هو من عليه تحمل المسؤولية كاملة تجاه المهجرين بسبب حرب أشعلوها بأيديهم .
مجلس الرئاسة عن المجتمع المدني ومجلس حقوق الإنسان ، قدم اقتراحا للرئيس الروسي ، يتضمن السماح باستقبال اللاجئين السوريين ، شرط أن تكون الأولوية للشركس السوريين الذين هاجروا من منطقة القوقاز في أواخر القرن التاسع عشر.
عضو الهيئة العليا للإغاثة و صاحب هذه المبادرة السيد "مكسيم شيفتشينكو" قال : "أن مركز مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية يعتقد أن هذه المبادرة تشكل تهديداً مباشراً لأمن روسيا ، على الرغم من أن هذه الشعوب لديها مستوى عال من المسؤولية المدنية والاجتماعية ، لكن ليس بهذه البساطة والسهولة يمكن إعادة شركس سورية إلى هنا ن هذا يتطلب إرادة سياسية و دراسة دقيقة ." شيفتشينكو أضاف : أن بلاده حسب اعتقاده ، يمكنها فقط استقبال من 5000 إلى 10000 شركسي سوري ، من أصل 80 ألف ، و توزيعهم حصراً في أقاليم القوقاز مثل / أديغيا ، كراشاي - شركيسيا، كاباردينو - بلقاريا ، وإقليم كراسنودار./ ، فمن المستحيل استيعابهم في العاصمة مثلاً أو المدن الروسية المزدحمة ، ومع ذلك، في الوقت الراهن ، حصص حتى هذه المناطق غير كافية لاستقبال لاجئين أجانب، لذلك يتم العمل على إرسال بيان تفصيلي للرئيس "بوتين" للنظر فيه ، يتضمن قدرة كل إقليم على استيعاب لاجئين .
و تعليقاً على هذه المبادرة ، أشار الخبير في معهد الدراسات الشرقية لدراسات القوقاز والأورال وآسيا الوسطى "أندريه أرشيف " إلى أن الموضوع ليس جديدا، و هو نتيجة طبيعية لتفاقم الوضع في الشرق الأوسط ، لكن على روسيا أن تلعب دوراً فعالاً في حماية الشراكسة السوريين ، و استقبال جميع المواطنين السوريين من أصول قوقازية في الكيانات التابعة للاتحاد الروسي . "الآن وصلت الأزمة في سورية إلى أبعاد كارثية، لكن لإجراءات محدودة، يجب علينا أن نعمل بحذر شديد، نظرا للإختراق الإرهابي الذي يمكن أن يحدث ، تحت ستار شركس سورية ، وما قد يترتب عليه من عواقب، بطبيعة الحال، من الضروري أن يستجيب الجانب الروسي لطلبات المنظمات الإنسانية السورية بالمساعدة الفورية ، لكن بحذر شديد ."
إذاً روسيا ترغب في مد يد المساعدة للمهاجرين ، انطلاقاً من مبادئها الإنسانية ، لكنها في الوقت ذاته ، تخشى من دخول الإرهابيين أراضيها تحت مسمى لاجئ ، و تهديد الأمن و الإستقرار و السلم الأهلي ، أو حتى استقبال متعاطفين مع تنظيم " داعش " ، و مؤمنين بافكاره الراديكالية و المتطرفة ، و بالتالي ستعود روسيا إلى دائرة الخطر ، من تفجيرات مترو الأنفاق ، إلى تفجير المدارس و المسارح و حافلات النقل ، و هذا ما لا يريده أحد سوى الغرب و أعداء روسيا .
رئيس دائرة الهجرة في روسيا الفدرالية / قنسطنطين رمضانوفسكي / أكد في تصريح لتلفزيون / فيستي / الروسي ، أن روسيا مستعدة لاستقبال لاجئين من سورية وليبيا، لكن روسيا لا تجذب المهاجرين ، الذين يفضلون الإستقرار في بلدان أوروبا الغربية .
بالطبع هو على حق ، فحتى من أنهى دراسته في جامعات روسيا ، غادرها ، و لم يشأ البقاء فيها ، فلماذا ؟
عوامل عديدة تلعب دوراً رئيساً في رغبة المهاجرين بالإتجاه إلى أوروبا ، منها سهولة الإندماج في المجتمع الأوروبي لاسيما و أن الكثير من اللاجئين ، لديهم أقرباء أو أصدقاء في أوروبا وهذا عامل مهم ومساعد ، أيضاً صعوبة اللغة الروسية التي تشكل عائقاً أمام كل من يرغب في العمل ، فأنت بالتأكيد لن تجد عملاً أبداً إن لم تتكلم الروسية ، أضف إلى ذلك ،الأزمة الإقتصادية الحادة التي تعيشها روسيا ، و هبوط سعر صرف الروبل أمام الدولار إلى أدنى مستوياته ، و غلاء المعيشة الفاحش ( 200 دولار قد تكفي فرداً واحداً لمدة إسبوع لشراء حاجياته اليومية ) ، البرد و قسوة المناخ والشتاء الطويل ، دفعت الكثير من السوريين الذين أعرفهم شخصياً ، للعودة إلى دمشق ، و تفضيل سماع دوي الإنفجارات و القذائف ، على تحمل قسوة الحياة و المناخ هنا .
لهذا ، روسيا مستعدة لاستقبال اللاجئين السوريين ، ولكن ...، انطلاقاً من بعد النظرة السياسية للقيادة الروسية ، ترى أن الحل الجذري لأزمة اللاجئين ، ليس استقبالهم و احتوائهم ، بل إعادة إعمار بلادهم ، و تأمين الحياة الكريمة لهم و الآمنة داخل أوطانهم ، و مكافحة الإرهاب ، و القضاء على جميع التنظيمات الإرهابية ، التي دفعتهم للهجرة ، و توقف الغرب عن سياسته الخرقاء في المنطقة ، فإن كانت هناك نية صادقة لحل هذه الأزمة ، وجب اقتلاع السبب من جذوره .